تزخر هذه البلاد بالكثير من المؤسسات الإنسانية والخيرية العاملة في مد يد العون والمساعدة لإنسان هذا الوطن بأصناف مختلفة من المساعدات.
مؤسسات لرعاية الأيتام، وأخرى للمعاقين وثالثة للتوعية ورابعة وخامسة كلها تصب في مصب واحد هو إنسان هذا الوطن، وتلاقي هذا المؤسسات كل الدعم المادي والمعنوي
من لدن قيادتنا الراشدة، ولرجال الأعمال مواقفهم المشرفة مع هذه المؤسسات، وإن كنا نطمح إلى المزيد والمزيد.
وتعتبر مشاريع الإسكان التنموي واحدة من تلك المشروعات الخيرية الفاعلة التي تبنتها الكثير من المؤسسات العاملة في هذا المجال والتي تهدف إلى إنشاء مجمعات سكنية مهيأة لاحتضان المحتاجين للخروج من دائرة الفقر، وتقديم برامج تنموية لساكني وحدات المشروع من أجل تأهيلهم ومساعدتهم على التحول من معتمدين إلى منتجين، مع العمل على استقرار هذه الأسر بتهيئة الجو المناسب، والحد من المظاهر والسلوكيات السلبية المنتشرة في أوساط الفقراء التي تشجع على الاستمرار في حالة الفقر، والعمل على إيجاد وقف مؤسسي دائم لا يعتريه ما يعتري الأوقاف غير المؤسسية من قصور واندثار، تجسيداً لمفهوم الصدقة الجارية، والإسهام في مكافحة الفقر ضمن الجهود التي تبذلها الدولة وتشارك فيها مؤسسات المجتمع، والمشاركة في التنمية المتكاملة اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا من خلال تقديم منظومة متكاملة من البرامج التنموية والتي تعبر وبشكل جلي عن هذا التوجه الإنساني لقادة هذه البلاد وولاة أمرها لمساعدة الفئة المستهدفة من المواطنين الأشد حاجة في المجتمع السعودي ليصبح توفير السكن لهذه الفئة قيمة أعلى في التعامل مع الإنسان، من خلال تفعيل قدرات الإنسان السعودي ليصبح من الفئات المنتجة والقادرة على تنمية محيطه المحلي، وأكثر مقدرة على مسايرة ركب الحياة بطريقة فاعلة، ومن واقع الرؤية لبعض هذه المؤسسات فإنها تسعى لأن تصبح مؤسسات إسكانية تنموية خيرية مبدعة وفعالة في مساعدة المواطنين من ذوي الدخل المنخفض على النهوض ذاتيا بمستواهم التعليمي والمهني والمعيشي (أو هكذا يجب أن يكون) من خلال عملية تطوير اجتماعي انطلاقاً من توفير السكن الملائم لهم بالتنسيق مع مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وبهدف توفير السكن التنموي الأكثر احتياجاً في المملكة ولذوي الدخل المنخفض فيها، استناداً إلى دراسات للاحتياجات ووفق سلم موضوعي وواقعي للأولويات وإنشاء وحدات إسكانية منخفضة التكاليف والإشراف على صيانتها وتوفير الخدمات التطويرية اللازمة لمساعدة مستوياتهم التعليمية والمهنية والمعيشية بجهودهم الذاتية وبلوغ أقصى درجات الفاعلية والكفاءة في ذلك بالتعاون مع فئات المجتمع وهناك العديد من هذه المؤسسات التي أنشئت لهذا الهدف السامي ومنها مؤسسة الملك عبدالله لوالديه للإسكان التنموي، ومشروع الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيري للإسكان، وجمعية الأمير سلمان للإسكان الخيري، ومشروع الإسكان التنموي بالقصيم، ومشاريع الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للمساكن الميسرة بالمنطقة الشرقية ومشاريع الأمير الوليد بن طلال وكذلك مشاريع بعض الموسرين من أبناء هذا الوطن التي تتواجد في أغلب مناطق المملكة إ ن لم نقل كافة المناطق، وقد تحقق لكثير من الأسر الفقيرة الحد المعقول من المسكن المناسب في بعض المشاريع وليس كلها، لأن بعض هذه المشاريع وبكل أسف دون المأمول بل إنها تفتقر إلى الحد الأدنى من الجودة، مما يجعل الاستفادة منها محدودة على أحسن الأحوال بزمن محدد جدا، ومن وجهة نظري الخاصة والتي أعتقد أن الدراسات الاجتماعية توافقني فإنه يجب ومن أجل أن تحقق هذه المشاريع الهدف الذي من أجله أنشئت أن تكون مبنية على أساس اندماج هذه الأسر ضمن المجتمع دون تفرقة، ودون وضع حواجز نفسية ربما تنمي نزعة الشر لدى ناشئتهم، وتجعل من هذه الأحياء بؤر شر وفساد ومكان مناسب للانحرافات الفكرية والسلوكية.
إن قضية القضاء على الفقر بأشكاله المختلفة ليست من القضايا المادية فحسب بل هي أيضا قضايا أخلاقية وأمنية بشكل كبير، ولذا المقولة الجميلة لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) لم تأت من نظرة مادية لديه رضي الله عنه، بل كان ينظر إليها من جوانب أكثر خطرا وألما للمجتمع، ولعل إلقاء نظرة عابرة على المجتمعات الفقيرة يؤكد خطر بقاء فئة من المجتمع تقاسي ألم العوز والحاجة في دولة قادرة على انتشال هؤلاء إلى سواحل الكفاف على أقل تقدير.
أسعد عندما أسمع عن رصد مبالغ كبيرة في هذه الجمعيات والمؤسسات الإسكانية لبناء مئات الوحدات في أنحاء هذا الوطن الكبير، ولكن يعتصر قلبي ألما عندما أرى بعض هذه المشاريع دون المستوى المأمول وكأن المسألة دخل فيها جانب المن والأذى..!!!
ويعتصر قلبي ألما مرة أخرى عندما أسمع التسميات التي تطلق على هذه المشاريع من قبل بعض الناس، مما يعد مؤشرا خطيرا على تفرقة طبقية أوجدتها بعض هذه المشاريع.
إذا ما هو المطلوب؟ هل نتوقف عن بناء هذه المساكن؟
الجواب بكل تأكيد بل نستمر في البناء أكثر وأكثر ولكن بنقلة نوعية لهذه المشاريع تحقق أكثر من هدف في آن واحد.. تحقق الهدف الأول وهو إيجاد المسكن المناسب لهذه الأسر وتحقق الأهداف الاجتماعية الأخرى، ولن نستطيع تحقيق النتائج المرجوة دون الاهتمام بالدراسات الاجتماعية في المقام الأول التي تساعدنا على إيجاد أفضل السبل لتجنب أي منزلق يمكن أن تسببه هذه المشاريع، هذا من جانب والجانب الآخر أن يكون لهذه المشاريع مواصفات فنية من قبل الجهة المختصة لا يجوز لأحد مخالفتها بأي شكل من الأشكال.
إنني أعتقد أن العمل في مثل هذه المشاريع الإنسانية الاستراتيجية شيء مفرح وجميل، خاصة إذا تكاملت العناصر المستهدفة والتي أشرت إليها في صدر هذه المقالة.
بقي شيء مهم لابد من الإشارة إليه وهو أهمية اختيار القيادات الواعية المتخصصة المخلصة لتولي دفة هذه المؤسسات، وقد وقفت على تجربة لإحدى هذه المؤسسات وكانت في غاية الإتقان وذلك بسبب رجل واحد لتولي الأمانة وكان خير أمين.
والحديث عن هذا القطاع الخيري الكبير يطول ويطول ولعلي أكمل ما نقص في مقالة أخرى.
almajd858@hotmail.com