Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/04/2009 G Issue 13345
الأحد 16 ربيع الثاني 1430   العدد  13345
أما بعد
الغلطة الواعظة
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

يزعم فريق من المحلّلين والمراقبين أن صدام حسين غلط غلطة كبرى عندما عاند الإرادة الدولية، ولم ينحن لعاصفة بوش، ولم يتجاوب مع المطالب التعسفية التي كانت تمُلى عليه من قوى التحالف، التي لم تخف تحيزها، ولم تخجل من المجاهرة بالوقوف ضد كل معاني الإنسانية والعدل.

ويرى هؤلاء أن صدام بعناده وتكبره نال جزاءه العادل، على الرغم من أن الواقع أثبت بطلان التهم الموجهة له في مجال تملّك العراق للأسلحة الممنوعة على أمثاله من الدول التي يفترض أنها تابعة، تعيش على استجداء التقنية واستهلاكها.

ولهذا صرخ المرجفون والخائفون وقالوا: إن السعيد من وعظ بغيره، هكذا وقر في وجدان هؤلاء العقلاء، وهكذا يردد الحكماء - حسب زعمهم -، وعلى اعتبار أن الحياة مدرسة كثيرة دروسها وعبرها، ويتمخض عن التفاعل فيها مع معطيات المواقف المختلفة، نواتج وخلاصات، ويتبلور عن صور التعامل مع الآخرين، الكثير من العبر والمواعظ، وخشية من تكرار التعرض لما تمخضت عنه المواقف في العراق من نهايات محزنة، ولما تبلور عن التعامل مع المتسلّطين غير المنصفين من غلبة وقهر، فإن الحكمة تقتضي الاستفادة من ذلك، وتوظيفه فيما قد يتعرض له شخص أو دولة من أحداث ومواقف مماثلة، وذلك بأن يتجنب المقدمات التي تفضي إلى ما يخشى منه، وأن يحتكم إلى العقل في مواجهة الأمور التي قد تفضي عواقبها إلى نواتج وخيمة، وذلك بأن ينحني المغلوب على أمره لعواصف وقواصف قوى البغي، ويستسلم لإرادتها وخياراتها.

صحيح أن المكابرة مذمومة، والغرور سفاهة، والمغامرة انتحار، لكن يستنتج من وقائع الأحداث التي مرت بالعراق، ويستقرأ من دلالاتها أن صدام لم يُهزم لأنه أصيب بداء الغرور، أو لأنه كابر وغامر، إنما هزم ودحر لأنه تعالى على المواطن العراقي، واستبد بخيرات العراق دون أهلها، بدد الثروات وبعثرها خدمة لأطماع توسعية، وسفاهات وأحلام العظمة، تسلّط على الرقاب، واستعبد العباد، وقطع كل سبل الود والتواصل معهم، تكبر وتفرعن وتفنن في إذلال الإرادات، وقهر الحريات، أهمل المعطيات التي تحقق الرخاء والسعادة والبهجة، واسبدلها بمعطيات أفضت إلى التدمير والتشريد والفقر.

وبعد هذه القطيعة بين صدام وشعبه، وظلمه لهم، انقطعت سبل التواصل والولاء والمحبة، فنفض الكل يده في وجهه، تخلو عنه، تركوه وحيداً يستجدي ويتذلّل، يستنهض معاني النخوة والكرامة، بعد أن قطع كل شرايين النخوة والكرامة، فأني يستجاب له بعد ذلك.

تداعت هذه الصور والاستنتاجات، وبدا الترابط بينها وبين ما يحصل الآن في السودان، وقال البعض إنها الغلطة الواعظة تلك التي مرَّ بها صدام والعراق، لذا يجب الرضوخ والاستسلام للإرادة الباغية حتى لا يحصل للسودان ما حصل ويحصل في العراق!

وهذا استنتاج خاطئ، لأن هزيمة صدام ترجع إلى أنه ابتعد عن شعبه، وتعالى عليهم، وبالتالي غرق وأغرق العراق معه في أتون القتل والدمار، وفي حالته دروس وعظات بالغة القيمة والأهمية، تتمثّل في أنه يجب أن يمد الراعي يده لرعيته، وأن يكون قريباً منهم، يرعى شؤونهم، ويسهر على مصالحهم، يقيم الحق والعدل فيهم، ويتقي الله فيما اؤتمن عليه، وبهذا يضمن أن ظهره مسنود بمواطنين أشداء، أقوياء يحمونه بقوة لا تقهر، ولا يخشون في حمايته لومة لائم، بل يقفون خلف راعي شؤونهم ومدبر أمورهم، الساهر على راحتهم وعزتهم بكل إصرار واقتدار وعزيمة لا تلين.

فهل من مدّكر؟



ab_moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد