تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في مطلع شهر مارس الماضي 2009م أمام الكونجرس، باعثاً شيئاً من الاطمئنان إلى الشعب الأمريكي فقال: (سنبذل كل ما نستطيع حتى لا يخجل الواحد منكم من أنه أمريكي).. ورغم أني لا أفقه في علم السياسة، لذلك فإني لا أخوض في غمارها، لأنها محيط لا ساحل له.. غير أن تلك الكلمات التي استمعت إليها، دفعتني إلى أن أكتب هذه الكلمة العابرة، موقناً أن أهل الذكر في السياسة قد كتبوا تحليلات وتعليقات وردوداً شتى على خطاب الرئيس الأمريكي ذاك، وأكبر الظن ان دلوي المخروق لن يأتي بقطرات ماء تبل الصدى!
إن الرئيس أوباما يعي جيداً لأنه لم يصل إلى الحكم إلا عبر سبل شتى منها قدراته الواسعة التي حققت له أن يكون سيد البيت الأبيض، وإن الواعين من الشعب الأمريكي يدركون أن رئيسهم الجديد مضطر إلى أن يبعث الأمل في نفوسهم مهما يكن الأمر، لا سيما أن الشعب الأمريكي وشعوباً كثيرة جرفها تيار قاتل اسمه الأزمة المالية في أقوى وأعتى دولة على الأرض، ولعل خسارتها المالية حالة ليست في حسبان الكثيرين، لكن أولي الألباب مدركون حجم الكارثة التي مني بها العالم إلى حد لم يكن في الحسبان، وانعكست الكارثة على العاملين في الشركات المختلفة وذوي القروض لما يسكنون في أمريكا، وقد أصبحوا في الشوارع، والنار لم تحرق إلا رجل واطيها وحده، لكنها امتدت إلى آفاق لا حدود لها!
ربما لا أتناول كثيراً هذا الجانب، وإن كنت أؤكد أن أي تقليص أو توقف في مشروعات بلادي يمتد ظلها إلى كل مواطن واع.. وأريد أن أسوح غير بعيد في قضايا تخريب تسببت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بكوارث مدمرة، قضت على الأخضر واليابس، في مقدمتها غزو العراق وتدميره، وكارثة (غزة) بالاجتياح الصهيوني المهلك، بدفع البيت الأبيض، وتدمير شعب فلسطين، تتحمله أمريكا داعية العدالة والحرية وحقوق الإنسان، والذي يمارس هذا التدمير يعتبر مجرم حرب بكل المقاييس، لأن إبادة شعب أعزل على أرضه يشبه أكبر الجرائم في التاريخ، ومنها غزو - هولاكو- لشرقنا العربي.. كان شعب فلسطين في غزة في قمة البطولة، أمام جحافل دولة صهيون بمدرعاتها وطائراتها وطربيداتها البحرية، لقد كان شعب غزة خلال أكثر من شهر محاصراً، وكل المنافذ مغلقة، وكان في إبادة، ومع ذلك كانت المحصلة ما يشبه المعجزة في زمن انتهت فيه المعجزات!.
وقبل غزة، كان اجتياح أمريكا للعراق قبل ست سنوات، دمرت جحافل الدولة الظالمة الغازية شعباً وكيان دولة، بحسابات وهمية اتخذت وسيلة للغزو وتبريره، كان ذلك الاكتساح الظالم، تدمير أمة لها حق الحياة على أرضها..
لست أكتب حكاية غزة وتدميرها، إلا كلمات عابرة ذلك أني انطلقت عبر هذه السطور من كلمات الرئيس أوباما أمام الكونجرس، لأقول إن ذاكرة الشعوب لا تنسى، والشعوب التي تجتاح ظلماً وعدواناً لتدمير كيانها لن تنسى مهما طال بها الزمن، فغزو هولاكو لشرقنا قبل مئات السنين، مازال في أذهان أمتنا، وتدمير غزة وأهلها، وتدمير العراق، سيبقى كل ذلك في ذاكرة ما يتجدد من الأجيال في غزة والعراق وشعوبنا بعامة.. وإسرائيل الباغية التي لا تبالي بأحد على وجه الأرض، مرد ذلك طغيانها، لأنها بغت بما نالت من مال ودعم تسليح، فقتلت الطفولة البريئة ومزقتها بالقنابل الفسفورية، واعتدت على المدرسة التي تحمل شعار الأمم المتحدة، وغزت المستشفيات، وعملت كل شيء لتدمير أهل الأرض تجويعاً وعبر ظلام دامس، وحصار في كل شيء، والعالم المتمدن يتفرج ويلهو، غير أن هذا الطغيان الذي يتبجح به وزير الخارجية في دولة إسرائيل الجديدة القديمة، سبيل تدميرها ونهايتها بتقدير من يقول للشيء كن فيكون، وما ذلك على الله بعزيز أن يأتي اليوم الذي يطارد فيه أبناء فلسطين مجرمي الحرب من الصهاينة الذين يقتلون آباءهم وأمهاتهم، أبناء فلسطين - كما فعل الصهاينة، بعد ستين عاماً من انتهاء الحرب الكونية الثانية، وإسرائيل تفتش عن غريمها (ايخمان) حتى وجدته في الأرجنتين، حيث استقر هناك، فحاكمته كمجرم حرب ثم أعدمته.. وكما يقال: التاريخ يعيد نفسه، فيطارد أبناء غزة مجرمي الحرب الصهاينة ولو بعد حين، لينتقموا منهم شر انتقام، والجزاء من جنس العمل كما قيل.. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.. وستقرؤه الأجيال عبر أحقاب التاريخ القادمة، وسوف تدرك معطيات الهمجية الغازية المدمرة المفسدة في الأرض بعد إصلاحها.. ولن تغفر الشعوب المظلومة، لأنها لن تنسى من اكتسح أرضها وقتل فيها وشرد أهلها واباد عشرات ومئات الألوف ظلماً وعدواناً.. الشعوب لا تنسى ما حل بها من كوارث وتدمير، والله يقول في سورة الحج:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، ونحن نردد في أقوالنا: (على الباغي تدور الدوائر).