نهجت مؤسسات التعليم مؤخرا نحو إلزامية الإتقان في مدخلاتها، ضماناً لسلامة مخرجاتها..
والإتقان سمة لأول دعامة وجه إليها خلق العمل والتعامل في الإسلام، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه). وإن آمن المرء بمبدأ الإحسان بوصفه ركيزة ثانية من ركائز الدين، وجرى في شأنه كله على أنه إن لم ير الله فإن الله تعالى يراه، وعمل بذلك على مراقبة ذاتية في ضوء مراقبة الله له فأتقن عمله حبا في الله، وطمعا في مرضاته، وخجلا من أن يراه في غير ما يرضيه تعالى من تخاذل عن إتقان، أو تهاون في إخلاص، أو تساهل في غش، فإنه بلا ريب سيدرك من جهده أقصاه، وسينال من إتقانه منتهاه، وسيخرج بمنجز إن كثر وإن قل على وجه يرضي الله تعالى ومن ثم يرضي به ذاته، والآخرين.. ذكرت ذلك منذ زمن بعيد وكررته في جملة بحوث، وندوات علمية بجامعات عديدة حين عقد القوم حواراتهم، ولا يزالون يتهافتون حول مصطلح (الجودة) فيها.. متغافلين قبلا أن الإسلام قام في أحكامه، وتقييده، ومعاييره، مع كل عمل يؤديه الفرد على دعامة الإتقان، وارتكز على أسها بعدئذ منتجُه على اختلافه وتنوعه، عم أو خص.
والأجدر في مجتمع ينحو في كل مناهجه القولية والقلبية والفكرية والعملية نحو ما يمثل صدقاً إسلاميته أن ترتكز أبنيته على الإتقان، والأولى أن يتحقق ذلك في جميع مساراته بدءا بمؤسسات التعليم..
ولقد لوحظ أن هناك ما يدعو للتفاؤل نحو ترسيخ قواعد الإتقان بدءا بوضع القيود بأحكامها نحو التعليم الإلزامي بعد مقارنة عدد المواطنين والمواليد منهم وعدد الطلاب في المدارس، وصدر بذلك قرار إلزامي يقضي بعقوبة كل أسرة لا يندرج أبناؤها في التعليم في المدارس من عمر السادسة حتى الخامسة عشرة.. وفي ذلك درء لمثالب كثيرة تلحق بالمجتمع في حالة عدم ذهاب هذه الفئات العمرية للتعلم، لا تخفى على ممنهجي المجتمع وخدمته، ومؤثرات التسيب والأمية في تركيبته.. مثل هذا القرار يكون أول تكسير في سور الجهل والعطب، ولئن يطبق وينفذ بإتقان فلسوف تتحقق عنه النتائج في أقوى مفعولها وآثارها, تعود على المجتمع بنسبة خفض للأمية بين الصغار والشباب بحيث يواكبون في البناء والتطوير. وثمة اتجاه آخر في مؤسسات التعليم لمرتكزات دعائم الإتقان هو هذا التوجه الجاد نحو استراتيجيات التعليم من خلال تطوير عناصره البشرية العاملة في مجال التنفيذ والأداء أو في المجالات المساعدة إدارة وتخطيطا وإشرافا وتقييما بل وتقويما. فالله الله الذي يرى وحده نسأله أن يعين ويتمم كل الجهود بنجاح وتوفيق.