Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/04/2009 G Issue 13344
السبت 15 ربيع الثاني 1430   العدد  13344
قمة العشرين وأولى خطوات مواجهة الأزمة
محمد سليمان العنقري

 

شكلت قمة العشرين التي عقدت بلندن الاسبوع الفائت بداية المواجهة العالمية الموحدة للازمة فبعد مرحلة التعرف على الأزمة وحجمها ومن ثم قياس آثارها السلبية على العالم.

والتحركات الفردية التي اتخذتها الدول كل واحدة بحسب الضرر الذي لحقها أو سيلحقها كان لا بد من التجمع للانطلاق بسياسة واحدة للمواجهة وتصنف هذه المرحلة بأنها الثالثة في عمر الأزمات وباكتمال الصورة للمجتمعين راعت القرارات الصادرة مختلف جوانب الضرر وبدأت بالمعالجة النفسية من خلال إصدار رقم موحد لكل ما أقرته الدول المجتمعة بسياساتها الانفاقية التوسعية لانتشال اقتصادياتها من فخ الركود وقبل ان يتحول إلى كساد فكان الاعلان عن انفاق خمسة تريليونات دولار خلال العامين الحالي والقادم ولن يظهر أثر هذه الارقام سريعا بل سيأخذ وقتاً حتى يتضح بشكل جلي أثره على زيادة الطلب العالمي على السلع وتحريك عجلة الانتاج للعودة مجدداً لفتح فرص العمل وبالتالي اعادة الثقة للناس وخلق الاستقرار الاجتماعي لديها وبالتالي الاقتصادي وسينعكس ذلك على الاسواق المالية تباعا بعودة النمو والربحية للشركات بمختلف الاسواق المالية العالمية وسينعكس بعودة ضخ الاموال للاستثمار مجددا بعد ان تتضح الفائدة خلال الارباع المتبقية من العام الحالي.

ثم جاء القرار الآخر برفع مخصصات صندوق النقد الدولي بثلاثة اضعاف إلى قرابة تريليون دولار بطرق مختلفة ليشكل عامل اطمئنان للدول الفقيرة عموماً وطلب من الصندوق توفير السيولة من خلال بيع جزء من احتياطيات الذهب لديه في خطوة توضح الحاجة للسيولة من جهة والابتعاد عن الاستثمار فيه كونه لا يعود بالفائدة على احد من خلال انعدام العائد واقتصاره على رفع السعر فقط مما يعني تجميد السيولة التي تحتاجها الأسواق والاقتصاديات بشكل عام.

إلا أن أهم القرارات التي خرجت بها القمة هي تشكيل مجلس للاستقرار المالي تشارك فيه الدول العشرين وكأنه بمثابة مجلس أمن اقتصادي يحذر وينبه ويراقب التحركات بالأسواق عموماً لمنع تكرار الأزمات مستقبلاً.

ويعتبر قرار مراقبة صناديق التحوط خطوة مهمّة تهدف لتقليص هوامش المضاربة التي طغت على الأسواق خلال السنوات السابقة ولعبت فيها هذه الصناديق دور العراب بدلاً من ان تكون عامل استقرار مساعد للاسواق عموماً من خلال الاستثمار والتمويل.

اما جديد القمة فهي قرارات مفصلية بمسح الجنات الضريبية من الوجود فهناك دول صغيرة الحجم تتربع على عرش الاكثر دخلا بالعالم نظير خدمتها لمن يرغبون بالتهرب الضريبي وتقدر تكاليفه سنويا بحدود 180 مليار دولار.

وفي سياق آخر فإن القرار الاكثر اهمية هو الغاء الحسابات السرية المصرفية مما يعني تحرير ترليونات من الدولارات حرم منها الاقتصاد العالمي لصالح فائدة دول كسويسرا وغيرها التي تقدر فيها حجم الأموال الموجودة بحسابات سرية بحوالي 2600 مليار دولار، فمن الواضح ان الدول الكبرى كأميركا واوروبا تريد ضخ المزيد من السيولة بالاقتصاد العالمي والتقديرات تشير إلى تحرير تريليونات خلال السنوات القادمة لتعود وتدخل في صلب الاقتصاد العالمي وتنقذ اقتصاديات تلك الدول نظير قدرة اقتصادياتها على استيعاب تلك الاموال الضخمة، وهذا يعتبر تحولاً كبيراً في نمط الحركة النقدية عالمياً والغاء لحقبة امتدت خلال القرن الماضي واستفادت منها تلك الدول ولكن بالتأكيد خسرها العالم وسنشاهد بالمستقبل تغيرا كبيرا في الدول الاكثر دخلا بالعالم.

اما في جانب تنظيم ومراقبة عمل مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية فقد ركزت القمة بشكل مباشر عليها من خلال رصد الدور السلبي الذي لعبته خلال المرحلة السابقة من خلال اعطاء تصنيفات غررت الاسواق والمتعاملين بها بشكل فاقم من حجم الازمة فلا يخفى على أحد اليوم كيف كانت تعطى البنوك التجارية والاستثمارية حول العالم تصنيفات عالية ظهر فيما بعد زيفها وليس أصدق من ذلك التصنيف الذي حصل عليه ليمان براذرز قبل فترة قصيرة من انهياره وكان يعطي صورة ايجابية جداً، فهذه المؤسسات لها دور مؤثر ليس على الشركات او الاسواق بل إنها تعطي تصنيفات لدول وكثير منها تضرر على ما يبدو من تصنيفات حرمتهم من تمويل لمشاريع هم بأمس الحاجة لها والآن نجد صندوق النقد الدولي يغير من طريقته بالقروض التي ستقدم للكثير من الدول الفقيرة والناشئة بسبب الازمة الحالية.

كما يلاحظ عدم تطرق القمة للصناديق السيادية مما يثبت انها كانت تلعب دورا ايجابيا من خلال استثمارات مستقرة ولفترات طويلة مما يحجم من أي دور تريد بعض الدولة ان تمارسه بالضغط عليها بل نجد ان هناك من يطالب بوضع ضوابط جديدة لها باسواقه وبالوقت نفسه نجد وزراء التجارة من نفس تلك البلدان يأتون خاطبين ودها بالاستثمار باسواقهم وشركاتهم المتعثرة حاليا وما تردد من اخبار عن نية وزير التجارة الالماني بزيارة ابو ظبي لبحث امكانية استثمارها برأس مال شركة اوبل للسيارات المتعثرة الا دليل وبرهان على التباين بين ما تعلنه المانيا من رغبتها بتحجيم عمل تلك الصناديق وبين لهفتها لانقاذ شركاتهم ويعكس جانبا اخر من مشكلات السيولة بتلك الدول بالرغم من قوتها الاقتصادية بشكل غير مفهوم إلى الآن.

اما مسألة محاربة الحمائية فهي ستشكل أصعب القرارات التي اتخذت فكثير من الدول المجتمعة هي رائدة الحمائية وهذا سيشكل ضربة قوية لكل ما أقر اذا لم تلتزم الدول بمحاربتها وستقضي على العولمة ومنظمة التجارة العالمية والاقتصاد الحر والمفتوح وغير ذلك.

نتائج هذه القمة اختلف فيها الكثير بين متشائم من عدم تقديمها أي جديد وبين متفائل وصفها بأنها جاءت اكبر من التوقعات وفي الحقيقة هي حملت عنواناً مهماً سيسجل باسم لندن وهو المواجهة الدولية الجماعية لانه لا مجال للفشل حملت القمة الكثير من القرارات الواقعية وشملت جوانب الازمة على العالم لكن النتائج ستبقى في حكم الغيب والترقب باثارها يجب ان يكون على مراحل طويلة فالمواجهة كان لابد منها وتجنب الحديث عن المشاكل والاختلافات بين الدول وخصوصا بموضوع الدولار كان بسبب ضروري وهو حل الازمة بدلاً من خلق ازمات اخرى لن تعود على العالم الا بالكارثة المحققة ولا يوجد احد سيستفيد من ذلك بالرغم من رغبة البعض بتجيير الازمة لصالحه الا انه لن يستطيع ان يساهم بالدمار لانه سيكون اول الضحايا فكان التعاون الجماعي سيد الموقف في لندن.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد