«الجزيرة» - عبد الله الحصان
(الخصخصة) أو عملية تحرير بعض القطاعات الاقتصادية ونقل ملكيتها كلياً او جزئياً من القطاع العام إلى القطاع الخاص، شهدت خلال الآونة الأخيرة مطالبات اقتصادية كبيرة وكثيرة خصوصاً في الدول النامية إما لضخ استثمارات جديدة لاقتصادها أو لفتح أسواق جديدة للمنتج أو اضافة تكنولوجيا جديدة لم تكن موجودة من قبل.
وهذا الفكر قد تبنته المملكة من خلال تفعيل برامج التخصيص والحصول من خلاله على عوائد مجزية.. إلا أن الأزمة المالية العالمية يبدو أنها غيرت بعض القناعات التي كانت موجودة في السابق حيال الخصخصة ومفهومها وجدواها وجعلت بعض الدول التي كانت تناصر الخصخصة وتدعو لها بكافة مجالاتها تقوم بعمليات التأميم والتي تعرّف اقتصادياً بمصادرة الملكيات الخاصة وتحويلها لعامة إما لإنقاذها من الإفلاس او لعدم كفاءتها الإدارية، مثل ما عملته الولايات المتحدة الأمريكية ببعض بنوكها ومؤسساتها التأمينية.
ولتسليط الضوء أكثر على موضوع الخصخصة وتأثير الأزمة المالية على تطبيقها في المملكة - تحديداً- قال بداية عضو مجلس الشورى السابق والخبير الاقتصادي الدكتور عبد العزيز العريعر: برأيي أن الخصخصة أصبحت عكسية بفعل الأزمة العالمية واضطرت دول العالم التي كانت تقوم بالتخصيص تقوم بشراء شركات ومؤسسات القطاع الخاص.
وأعتبر العريعر أن سبب عدم تفعيل برامج الخصخصة محلياً يعود للعامل الأهم وهو شح سيولة القطاع الخاص بعد الأزمة الراهنة، مضيفاً أن الفترة التي سبقت الأزمة كانت فرصة لخصخصة العديد من الأنشطة وأضاف: قطاعات عديدة تم تخصيصها في الماضي والبعض منها أوشك على التخصيص كقطاع الاتصالات وسكك الحديد والكهرباء بالإضافة إلى الموانئ مؤكداً أن الدولة قد تبنت الخصخصة كاستراتيجية لها.
من جانبه اعتبر الاقتصادي وأستاذ الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية الدكتور رجاء المرزوقي أن استراتيجية الخصخصة في المملكة جاءت نتاجاً طبيعياً للمرحلة التي يمر بها الاقتصاد السعودي، وقال (للجزيرة) أن المملكة تحتاج إلى دور أكبر لانشاء شركات يعجز القطاع الخاص عن القيام بها بسبب رأس المال الضخم الذي تحتاجه او العائد الضئيل في الاجل القصير.
وأضاف أنه مع نضوج القطاع الخاص وتزايد دور سوق رأس المال في تمويل الاستثمارات وتزايد الأعباء المالية على الحكومة، وارتفاع مستوى الدين للدخل القومي لأكثر من 110% فقد تبنت الدولة هذه الإستراتيجية خلال التسعينيات الميلادية لتخفيف الأعباء المالية التي كانت تتحملها الدولة؛ حيث تم تبني التخصيص، وتابع: التخصيص جاء لتخفيف الأعباء المالية على الحكومة التي كانت بحقبة التسعينيات الميلادية من خلال إدارة هذه الشركات من قبل القطاع الخاص بموارد مالية أقل وكفاءة أعلى، بالإضافة إلى رفع الكفاءة الاقتصادية لهذه المنشآت؛ حيث إن الشركات التي تدار من القطاع الخاص غالباً تكون أكثر كفاءة وأقل هدرا ماليا من الشركات التي تديرها الحكومة بسبب أن القطاع الخاص يعظِّم الأرباح عن طريق تقليل التكاليف وزيادة الانتاجية بينما القطاع الحكومي يعظِّم المنفعة الاجتماعية التي تؤدي إلى توظيف عدد أكبر من الحاجة تقديرا للوضع الاجتماعي.
تراجع مطالب الخصخصة
ومضى المرزوقي: استراتيجية التخصيص خف النداء عليها خلال الألفية الجديدة وخصوصاً بعد ارتفاع أسعار النفط وزيادة إيرادات الدولة مشيراً إلى أن الأزمة المالية جعلت الدول الرأسمالية تخطو باتجاه آخر بقيامها بتملك جزء من الشركات جاعلة الخصخصة تأخذ مسارا عكسيا غير أن هذه الإجراءات تعتبر وقتية بسبب الحاجة الماسة للتدخل الحكومي السريع لإنقاذ الاقتصاد من قبل الدول الرأسمالية والتي جاءت بسبب التساهل في الأنظمة والقوانين التي تحكم عمل المؤسسات المالية.
وشدد المرزوقي على ضرورة وجود انظمة وقوانين ورقابة من القطاع الحكومي لكي لا تتحول القطاعات المحولة لقطاعات محتكرة تتسبب في هدر للموارد الاقتصادية كما أنها ستؤثر سلباً على الرفاه الاقتصادي على مستوى الاقتصاد الكلي. ودعا المرزوقي الهيئات المتخصصة في تنظيم القطاعات الاقتصادية وضع مصلحة المواطن ورفاهيته بالمقام الأول، ومنع الاحتكار وتشجيع المنافسة والتدخل للتسعير في حالة ان الاحتكار أصبح أمرا ضرورياً كما يجب أن تأخذ الهيئة على عاتقها مراقبة الاسواق لمنع نشوء الاحتكارات او التكتلات الاقتصادية بين المنتجين والتي تهدد مصالح المستهلكين والتسعير في حالة الاحتكار، مشدداً على وجوب أن ي كون أعضاء الهيئات من ذوي الخبرة والاختصاص، وأن لا تكون جزءاً من وزارة، بل يجب ان تتمتع بصلاحيات عالية وأن يكون هدفها الاساسي تعظيم الرفاه الاقتصادي للمواطن والتي بغيابها فإن الاقتصاد السعودي سيتعرض لنشوء التكتلات الاحتكارية والخسارة في الرفاه الاجتماعي.
ما كان نافعاً بالأمس قد لا يكون صالحاً اليوم
ويرى الخبير الاقتصادي فضل البو عينين، أن أهم خطوات بناء الاقتصاد هو توقيت اتخاذ القرار فما كان نافعاً بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم، خاصة مع المتغيرات الاقتصادية التي أحدثت أثراً كبيراً في الاقتصاد العالمي والاقتصاديات الوطنية.
وأضاف البو عينين: في فترة من الفترات كانت السيولة متوافرة وقنوات الاستثمار شحيحة، وكان من الأفضل في ذلك الوقت للدولة أن تقوم بإنجاز مشروعات الخصخصة مستغلة الأوضاع الاقتصادية القوية في ذلك الوقت.
أما الوقت الحالي - والحديث للبوعينين - فالوضع الاقتصادي أصبح مختلفاً، كما أن بعض الشركات الخاصة أصبحت في حاجة ماسة إلى دعم الدولة، وهو ما قد يفتح باب المشاركة أيضاً في هذه المشروعات، والدليل أن معظم المنشآت المصرفية والشركات الصناعية في العالم تحولت إلى التأمين الجزئي بسبب الوضع الاقتصادي الراهن.
ويعتقد البوعينين أن الوقت الحالي ليس توقيتاً مناسباً للتفكير بالخصخصة، بل على العكس من ذلك وقال: نحن نبحث عن دعم الصناديق الحكومية والشركات الصناعية المتضررة التي باتت تعاني من شح التمويل وانخفاض حاد في تدفقاته النقدية، وعملية الخصخصة تحتاج إلى وجود الرغبة لدى قطاع عريض من المستثمرين للدخول في بعض الشركات الحكومية، والوقت الحالي لا يبدو أنه مناسب لهذا الوضع وأكد البوعينين أن هناك كثيرا من الشركات المساهمة المغلقة أحجمت عن طرح أسهمها في السوق خشية عدم تمكنها من تغطية الاكتتاب، والاستثناء كان بالشركات ذات الرساميل المحدودة التي يمكن تغطيهتا بسهولة -بغض النظر عن الأوضاع المحيطة- وطالب البوعينين بضرورة وضع استراتيجية واضحة ومعدة سلفاً لتنفيذ الخصخصة متى تحسنت الظروف الاقتصادية العامة.