«الجزيرة» - محمد بدير
وجه تقرير صادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار أصابع الاتهام إلى عمليات التوريق باعتبارها أحد الأسباب الحقيقية وراء الانهيار المالي العالمي. فعلى الرغم من الأثر الإيجابي لعمليات التوريق على أسواق المال العالمية، إلا أن التزايد المتسارع للمضاربة بالأدوات المالية الناجمة عن التوريق خلال السنوات العشر الأخيرة، كان أحد المسببات الرئيسية للأزمة الحالية.
وقال التقرير إن عملية التوريق أو التسنيد والتي تتم على خطوتين، الأولى جمع أصول (موجودات) متشابهة ذات طبيعة غير سائلة بمعرفة الدائن الأصلي في محفظة مرجعية، ثم تنقل حيازتها إلى شركة ذات غرض خاص تتولى في الخطوة الثانية تمويل حيازة هذه الأصول عن طريق اصدار أوراق مالية قابلة للتداول بضمان هذه الأصول، والتي يتم بيعها لمستثمرين في سوق المال بعد الحصول على تصنيف ائتماني لها. ويعود على المستثمر عائد ثابت أو متغير من حساب تتم تغذيته بالتدفقات النقدية المتولدة عن المحفظة المرجعية للأصول الأساسية، وباختصار، فإنها تحويل تدفقات نقدية مستقبلية إلى تدفقات نقدية حالية.
ويشير التقرير أن عمليات التوريق قد اقتصرت خلال الفترة من 1970- 1990 على الرهن العقاري وقروض السيارات وبطاقات الائتمان، ومؤخراً توسعت لتشمل معظم التدفقات النقدية، لتظهر أدوات مالية تشبه الأوراق المالية بضمان الأصول، ولكنها تتضمن مدى واسع ومتنوع من الأصول والمعروفة دوليا باسم أدوات الدين المضمونة. كما لم تقتصر عمليات التوريق على أسواق المال في الاقتصادات المتقدمة فقط بل امتدت إلى الاسواق الناشئة، حيث نجح كثير من المصارف والشركات العملاقة عالية التصنيف في إصدار أوراق مالية بضمان حصيلة الصادرات المستقبلية السلعية والخدمية، وكذلك تحويلات العاملين بالخارج وعقود الإيجارة المالية، وهو ما يعرف حاليا بأدوات التمويل المهيكل.
ونظراً لغياب سقف محدد للتوسع في مثل هذه الأدوات المالية التي يطلق عليها الأصول المالية المرتبطة بالديون (وليس الملكية) أسرفت المؤسسات المالية في التوسع في إصدارها بدرجة منفلتة تولد عنها اختلال ضخم في نسبة إحجام المديونية إلى الأصول العينية أوالحقيقية التي تغطي هذه الأصول أو ما يطلق عليه الرفع المالي (مدى اعتماد المؤسسات المالية على تمويل أنشطتها من خلال القروض نسبة إلى رأس المال)، وبالتالي تتزايد وقوع المخاطر بكافة أنواعها وعلى رأسها مخاطر السيولة في حالة عجزت أحدى المؤسسات المالية عن السداد.
ويرى التقرير أن الأزمة المالية العالمية الحالية بمثابة الاختيار الأول الذي تتعرض له أدوات التمويل المهيكل المركبة في أوقات تسودها الظروف الاقتصادية غير المواتية، حيث دفع الطلب على تلك الأدوات خلال فترة فورة السيولة الشركات العاملة في مجال اصدار تلك الأدوات المالية للتوسع في تغطية الأصول والقروض الاقل جودة للوفاء بالطلب المرتفع عليها. كما تم تسويق الأدوات ذات التصنيف المرتفع للعديد من شركات التأمين وصناديق الأمان الاجتماعي وبعض المصارف، أما الأدوات ذات التصنيف الأدني فقد تم تسويقها لصناديق التحوط والمستمثرين المضاربين الباحثين عن عوائد أعلى.