Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/04/2009 G Issue 13344
السبت 15 ربيع الثاني 1430   العدد  13344
توظيف المرأة بين القطاعين الحكومي والخاص: أين نحن؟؟
د. فوزية البكر

 

أصدر مجلس الوزراء يوم الاثنين الموافق 23 فبراير 2009 توصيته بدعم توظيف المرأة في القطاعات الحكومية وبتأنيث سبعة آلاف وظيفة في قطاع التربية والتعليم. أمر مدهش حقاً وخاصة للدارسين من أمثالي لموضوع نظام التعليم السعودي وعلاقته بسوق العمل بالنسبة للمرأة السعودية، فهذا القطاع كان ولسنوات قريبة هو الحاضن الرئيس لعمل المرأة....

....حتى إنه وحتى عام 2005 كانت أكثر من 85% من قوة العمل النسائية السعودية تتركّز في هذا القطاع منها 83% في التعليم وما لا يزيد عن 5% فقط من هؤلاء العاملات تركّزن في القطاع الصحي.

اليوم تغيَّرت الصورة كثيراً ودخل القطاع الخاص بقوة للميدان لتمثّل قوة العمل السعودية النسائية حوالي 35% من قوة العمل الكلية والتي لا تتعدى بالطبع وحسب الإحصاءات الرسمية 10% من القادرات على العمل ككل ويتوقّع لها حسب خطة التنمية الثامنة أن تصل إلى 14% عام 2010. أي أن قوة العمل النسائية السعودية تظل وفي كل الأحوال محدودة جداً كما تظل الفرص في كلا القطاعين الحكومي والأهلي محدودة جداً مقارنة بأعداد طالبات العمل من الخريجات وخاصة الجامعيات. ولينظر كل منا داخل عالمه وأسرته وأقربائه وأصدقائه ليعلم مقدار الحسرة واللهثة التي تجتاح الجميع رغبة في أي عمل أو فرصة للدراسة فلا يجدن. من هنا تأتي أهمية القرار المذكور وذلك لتحسين فرص عمل المرأة في القطاعات الحكومية وخاصة غير التعليمية والتي شهد وجود المرأة فيها دائماً ظهوراً حيياً يتماهى مع الرؤية التي تحكم هذه القطاعات في رؤيتها لأهمية وفعالية عمل المرأة التي تمكنت من اقتحام القطاع التعليم لأنه لا بد من امرأة تدرس كل هؤلاء النساء لكن لا حاجة لهذه المرأة ولا أهمية لها في قطاعات يستطيع إخواننا من الوافدين تعبئتها إذا لم يتوافر المواطنون من الذكور. من هنا اصطفت المرأة في طوابير طويلة للبطالة بعد أن شحت الوظائف التعليمية التي تم تدريبها وتهيئتها لها خلال أربعين عاماً عبر السياسات التعليمية والتوظيفية التي رسخت الرئاسة العامة لتعليم البنات حتى لحظة دمجها ضمن هيكل وزراة التربية والتعليم عام 2004 جذورها وتقاليدها في هذا المجتمع بوعي أو دون وعي من مؤسساته ومواطنيه حتى وصلت نسبة البطالة بين النساء المتعلّمات وخاصة الجامعيات 37% (حسب تصريح وزارة العمل جريدة الوطن بتاريخ 30 مارس 2009)، وأقول إن هذا ربما يمثّل نسبة فقط من قدّمن أوراقهن للوزارة في حين لم تحسب الباقيات الراغبات في العمل أو الباحثات عنه في قطاعات أخرى مما قد يرفع النسبة إلى 50%.

تأنيث سبعة آلاف وظيفة في وزارة التربية والتعليم سيكون مهمة صعبة جداً لصنَّاع القرار داخل الوزارة فهل يعني ذلك إحالة سبعة آلاف رجل يحتلون هذه الوظائف إلى التقاعد أو تحويلهم لقطاعات أخرى أو ترقيتهم ثم إحلال الموظفات الحاليات للوزارة في مكانهم مع كل ما يعينه ذلك من المحافظة على تقاليد وسياسات العمل والمكان التي اختطها هؤلاء الرجال أثناء عنفوان تاريخهم الوظيفي لتتسلّمها النساء الراغبات في إثبات قدراتهن من خلال استمرارية تقاليد العمل الرجالية، فالمرأة أخت الرجال حين تتمثّل الرجل الذكر في بنيتها الفكرية وتقاليد عملها وهي مشاكسة وعابثة حين تبدأ في التمرد على هذه السياسات. أم أن هذا القرار سيعني جلب دماء جديدة من النساء الشابات اللاتي تنوَّعت خلفياتهن التعليمية والاجتماعية والثقافية لتتماشى مع سياسات التغيير التي تجتاح هذه الوزارة.

في كل حال.. هي خطوة إيجابية وجبارة في عالمنا الصغير هنا (أقصد مقارنة بما يجتاح العالم كله من تغييرات يبدو معها ما يجري معنا مجرد قطرات صغيرة رغم الصخب الذي يحدثه)!!!!

وهذه الخطوة يجب أن لا تقف عند الإحلال فقط، بل يجب أن تتعداه للتمكين؛ أي تمكين المرأة من الوصول إلى المواقع التي يمكن لها من خلالها صنع قرارات أو على الأقل التأثير في صنع هذه القرارات لصالح عالم النساء المنسي خلف الأسوار. وهل يتخيل أي منكم (أقصد الرجال) أن تغلق عليه مؤسساته فلا يعرفه رؤساؤه ولا يدرون عن طبيعة عمله ومع ذلك هم من يتخذ القرارات الخاصة بعمله وترقيته وإمكانات مؤسسته وما يحق له أن يفعله أو لا يفعله؟؟؟ إننا نملك التأثير حين نكون قريبين ممن يصنع هذه القرارات وزملاؤنا الرجال في كافة المؤسسات الحكومية يتمتعون بهذا دوننا نحن النساء المعزولات عن صانعي القرار ولذا فلديهم حظوة أكبر في الحصول على فرص الترقي والاستشارات والتنقلات والوساطات وكافة ما يعج به مناخ العمل الحكومي من أساليب للعمل والممارسة.

من جهة أخرى فعمل المرأة في القطاع الخاص يحتاج إلى وقفة مراجعة، فالفرص تظل محدودة جداً بالنسبة لما هو متاح للرجال كما أن امتيازات الفرص الوظيفية من رواتب وحوافز ومكافآت نهاية العام وغيره مما قد أجهله كوني في القطاع الحكومي لا يوازي بحال ما هو متاح للرجال في هذا القطاع والكثير من النساء اللاتي يلتحقن بهذا القطاع لا يفكرن بعقد المقارنات أو المطالبة بحقوق موازية خوفاً من رفضهن، حيث إن سوق العمالة النسائية يفيض عن حاجته مما يضطرهن لقبول شروط وظيفية مجحفة لا تتوازى مع ما يقدّم لنظرائهن من الرجال، بل إن الحقوق الأساسية التي أتاحها قانون العمل والعمال السعودي للجميع بغض النظر عن مكان العمل مثل المدة القانونية لإجازة الأمومة يتم اختصارها إلى الثلث في بعض البنوك والشركات الخاصة وتضطر المرأة لقبول ذلك خوفاً من فقدانها للعمل.

بالمناسبة فالكثير من القرارات الإيجابية لتشجيع مشاركة المرأة في سوق العمل الحكومي والخاص تم إصدارها تباعاً لكن العبرة هي في القدرة على قبولها كفكرة ومناخ عمل مع وجود من يستطيع بشجاعة أن يتبنى تنفيذها والدفاع عنها والتأكد من اتخاذ الإجراءات التنفيذية الداعمة لها من قبل المؤسسات المعنية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدولة وخلال السنوات الأخيرة قد قامت فعلاً بإصدار الكثير من السياسات التي كان يتوقّع لو تم تفعيلها تحسين مشاركة المرأة في سوق العمل وخاصة ذلك القرار الشهير الذي توقعنا أن يغيِّر من وجه مسيرة عمل المرأة السعودية حين تم إصداره وهو القرار الذي كان صدر من مجلس الوزراء رقم (120) بتاريخ 12 - 4 - 1425 والذي تضمن عدداً من البنود كان من أبرزها إلزام كافة الجهات الحكومية التي تقدّم خدمات للنساء بافتتاح أقسام نسائية وإعطاء الجهات الحكومية حق استصدار تراخيص للنساء لمزاولة الأنشطة الاقتصادية وإعطاء أولوية للنساء في مجال التدريب وتخصيص أرض ومناطق داخل المدن لإقامة مصانع يمكن أن تعمل فيها النساء، ولا أعرف أين نحن من كل هذه القرارات التي اعتبرت تاريخية في حينها لكنها لم تحظ بالمتابعة والشفافية المطلوبة فظلت في غالبيتها ولمعظم قطاعات العمل وبخاصة الحكومية مجرد حبر على ورق تلوح به في زهو بعض السيدات المرافقات للوفود الرسمية في الخارج لإظهار درجة التقدّم والتغيّر الذي طرأ على وضع المرأة السعودية في مواجهة شهوة الإعلام العالمي بأخبار عن هذه المرأة الغامضة!!

إذن ما تحتاجه فعلاً إلى جانب هذه القرارات (الثورية ضمن محيطها) هو تغيير المناخ المصاحب في مؤسسات العمل لخلق بيئة وثقافة عمل إيجابية تضمن التنفيذ التدريجي لمثل هذه القرارات. لن نتمكن من تنفيذها دون دعم رفيقنا الرجل ودون رؤيته الإيجابية لمن أمامه من النساء ولتدريبه وتمكينه من التعرّف على نماذج موازية موجودة في منطقة الخليج أي بقربه وفي عقر داره، وهو حقاً لا يلام إذا كان قد عاش ضمن هذا النطاق التقليدي العمر كله ثم طلب منه فجأة أن يقدّر عقل المرأة ويخضع لقراراتها كمرؤوس ويقبلها كشريك مواز للعمل بعد أن كانت مجرد كيانات غامضة هلامية تحتسب من قوة العمل لكن لا وجود واقعياً لها أو تأثير في قرارات العمل!!

نحن أيضاً نحتاج إلى أن ندرب المرأة نفسها على الثقة بنفسها وقراراتها والتدرب على العمل في بيئة مختلفة فيها من التحديات الحقيقية والمجازفة الكثير كما يصنع زميلها الرجل، كما نحتاج إلى الكثير من القرارات الضابطة لعلاقة الطرفين في بيئة العمل لحماية كل منهما ولمنع استغلاله ولتجاوز الصعوبات الثقافية والقيمية المرتبطة بهذا التغيير ولنعش لوطن يكون لنا جميعاً دون تمييز.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد