Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/04/2009 G Issue 13344
السبت 15 ربيع الثاني 1430   العدد  13344
الغلبة و الأغلبية
د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

 

الرهان على الأكثرية الصامتة رهان غير مضمون، ومثلما لا يستطيع الخطيب الإيمان بصدق التأمين، فإن (الجماهير) تتحرك من طرف إلى طرف وتظلُّ اقتناعاتُها رهناً بالغالب لا بالأغلب.

* وبدلالة مباشرة، فلو عمل استفتاء قبل إقرار تعليم البنات أو إدخال التلفزيون أو الإذن بالبث الفضائي ونحوها لجاءت النسبة الأكبر معارضة، تمشياً مع اتجاه الشخوص والمؤسسات المؤثرة في الشارع، أما حين أصبحت أمراً واقعاً فقد التفتت الجماهير عما قيل ويقال، ونسيت أنها كانت في جانب مضاد، والأمر ذاتُه لو أذن بالسينما وقيادة المرأة وعملها ومماثلاتها؛ فالقرار الرسمي كفيل بتغيير التعاقد المجتمعي.

* الإجماع الهش لا يخلق رأياً عاماً، وافتراض المعرفة لا ينفي الجهل؛ فمن يعيشُ تحت الأرض لا يستطيعُ أن يرى الحياةَ فوقها، ومن يُضطرُّه عملُه إلى سكنى الأقبية لا يشاهد الأفنية؛ فلا تشرق عليه الشمس، ولا يغرد أمامه الطير، وتبدو له الحياةُ معتمةً كئيبة.

* كلنا هكذا إذا أقفلنا النوافذ والمنافذ، وتصورنا (العالم) مساربَ خاصةً ؛ فنغصُّ بالإجابات ولا نظمأ للأسئلة، ونمتلئُ بالإشارات والإشاعات دون أن نمتلك الحقيقة ونتيقن الوجهة.

* هنا تضطر الأغلبية الصامتة للمسايرة، وتعمد الأقلية المنتفعة للمتاجرة، وتبرزُ تيارات المصالح فوق المسارح، مطمئنةً إلى أن المنطقَ لا يقود، وهو ما يُحقِّق لها ما تريد.

* مشكلة هؤلاء أنهم يلجأون إلى الإلغاء والإقصاء والاستعداء، وربما خدمتهم ظروف مرحلة، وربما راهنوا على علو صوت أو صدارة صيت غير أن النقطة لم توضع بعد في نهاية السطر.

* ليست المشكلة رأياً أو منتدى ؛ فلمن شاء أن يصادرها أو يوقفها، ولن يكلفه ذلك أكثر من خطبة وخطاب، ولكن القضية ترتبط بالوطن الذي لا يستطيع أحدٌ أن ينفي حقّ الآخرين فيه.

* لا يختلف هؤلاء عمن تحركهم انتماءات عرقية أو مذهبية ؛ ويُقضى علينا أن نشهد من تعلو قيمةُ الطائفة عليه فوق الوطن؛ وليس بعيداً عنه من يتصنمُ في نظره رأيه؛ فيحسبه هو الرأي ويعمل لإلغاء الآراء.

* ومثلما أوجدت بعض البرامج والمهرجانات معابرَ للعصبية القبلية فإن الانفتاح الثقافي والاجتماعي -في المقابل- دعمٌ للوحدة الوطنية، والاختلاف - فيما لا يمسُّ ثوابت الدين والوطن- ثراء معرفي وحضاري، ولو وقف دونه العدد الأكبر الذي لا يلبث أن يصبح الأقل كما يؤكده الأمس واليوم والغد؛ فالوزن المعياري قد يكون صفراً ولو كان الرقم المعادل بالملايين.

* تبقى الثوابت ميداناً للتجاذب، لكنها لن تكون السينما وقيادة المرأة والتعايش مع المختلف، والأيام حُبلى بما يعد وما يئد.

* العقل وعيُ المتغيِّرات.



ibrturkia@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد