أصبحت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الآونة الأخيرة شاغلة الناس ومالئة الدنيا في حوارات المجتمع وفي مختلف وسائل الإعلام، وقد وصل حد انتشار أخبارها إلى العالمية، لكن لا يزال الناس يختلفون في حدود مهامها، وأين تبدأ، وأين يجب أن تنتهي!..، والغالبية ترى أن منافعها تفوق سلبياتها، بينما يجدها آخرون غير ذلك.
كانت بدايات الهيئة مختلفة تماماً، ولم تكن تحظى بالهيبة التي عليها الآن، فقد كان رجل الهيئة في مرحلة السبعينات الميلادية يتميز بحضوره الاجتماعي المتواضع، وكان من صفاته الدائمة علاقاته الودية مع سكان الحي، وكان مهامه لا تتجاوز النصح الممزوج بعبارات العفو والطيبة المتناهية، لكن الأمر اختلف تماماً، فمهام الهيئة تطورت، وأصبحت الهيئة تقوم بمهام قيادية ورئيسية في المجتمع، وصار لهم حضور أمني متميز، فسيارة الهيئة في الوقت الحاضر لها حضورها المهيب، والناس عادة ما يتجنبون مواجهتها أو الوقوع في قبضتها.
ولا بد من الإشارة إلى أن الغالبية تسلم بأهمية أدوارها في ملاحقة مروجي المخدرات والخمور، وبأدوارها في حماية المجتمع من انتشار ثقافة الدعارة والفجور، وهي مهام جسام تستدعي مزيد من التنسيق مع أجهزة الأمن لمطاردة أولئك الذين يكونون الثروات الخيالية من تجارة المخدرات والخمور والدعارة والفسوق.
لكن هذا لا يعني أن رجال الهيئة ليس لهم اجتهادات غير محسوبة، وقد تكون ضارة للمجتمع، وقد تدخله في دوامة وفوضى، فعلى سبيل المثال كنت ولا زلت أتعجب كثيراً من ملاحقتهم المستمرة لمحلات بيع أجهزة استقبال القنوات الفضائية في الأسواق برغم من إجازة دخولها عبر منافذ الدولة، وتكاد توجد في الوقت الحاضر في داخل كل منزل.
ومع ذلك لا يتوقف رجال الهيئة عن تكرار اقتحام محلات بيعها ثم مصادرة الأجهزة، وهذا التدخل يحمل أكثر من علامة استفهام عن دور الهيئة وعن حدود سلطتها، وهل يحق لها نظامياً أن تطارد ما هو مسموح له رسمياً بالتداول والبيع في الأسواق.
كذلك يحدث شيء مثل هذا عندما يقتحم رجال الهيئة المقاهي العامة الموجودة داخل المدينة وخارجها، ثم يفرضون إقفال التلفزيونات ومنع الموسيقى ومضايقة بيع (الجراك والمعسل) داخل القهاوي، ويأتي التعجب من هذا الموقف ليس دفاعاً عن مساوئ ومضار التدخين، فالتبغ ومشتقاته خطرة جداًَ على الصحة العامة، لكن لا يعطي الهيئة الحق في اقتحامها بين حين وآخر، لأن هذه المقاهي تأسست بناء على تصاريح رسمية، ولم تفتح أبوابها عشوائياً..، ولهذا السبب أعتبر تدخل الهيئة ومضايقة هذه المحلات ليس نظامياً، وعلى مسئوليها مراجعة وزارة التجارة أو الجهة المعنية، بدلاً من إدخال المجتمع في متاهة نحن في غنى عنها.
وحسب وجهة نظري أجد أن الهيئة في هذا الجانب تحارب طواحين الهوا، وتهاجم قطعان الغنم التي تتوهم أنهم الجيوش الجرارة التي يجب القضاء عليها.
أيضاً ينطبق ذلك على مهاجمة محلات بيع ملابس النساء من نوع (العباءات فوق الكتف)، ثم تكبيدهم خسائر مالية بمصادرة بضاعتهم، برغم أنهم لم يخالفوا النظام في بيع العباءات، والتي تمت تصميمها وإنتاجها محلياً أو دخلت عبر قنوات الاستيراد من الخارج، لذلك من المفترض على إدارة الهيئة أن يطالبوا وزارة الصناعة أو التجارة بمنع تصميم وصناعة العباءات التي تُلبس فوق الكتف ومنع استيرادها، والعمل على إصدار نظام رسمي يمنع لبس هذه العباءة ثم تعميمه على جميع النساء في المملكة، بدلاً من أساليب المطاردة المتواصل لهن في الأسواق والعمل ضد قرارات رسمية من جهات أخرى من خلال المجتمع..، وبذلك ننهي أسلوب العمل من خلال ثقافة الملاحقة والاقتحام حسب أجندة غير نظامية، ونوحد جهود الهيئة في العمل على مكافحة الفساد والجريمة وترويج الخمور والمخدرات.
خلاصة الأمر أن مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر شرعي ومطلوب في مختلف الاتجاهات، ويتميز باتساع آفاقه وتعدد أبوابه، فعلى سبيل المثال المحافظة على البيئة من المعروف، ومطاردة من يرمي النفايات والمخلفات السامة في الأودية والشعاب، والمطالبة بنقل مصانع الأسمنت والجبس خارج مدينة الرياض من النهي عن المنكر، وهذه أعمال لو تم إدخالها ضمن أعمال الهيئة لأعطاها وجهاً حضارياً آخر لما تقدمه من خدمات نافعة للمجتمع.