Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/04/2009 G Issue 13344
السبت 15 ربيع الثاني 1430   العدد  13344
مدرسة الكتابة...!!!
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

نعم، هكذا أردت أن أعنون مقالي كما ترون؛ ذلك أن الكتابة الصحفية لم ولن تكن من الأعمال السهلة إطلاقاً -على الأقل كما تصورت شخصياً- لما يكتنفها من مسؤوليات جمة يحملها الكاتب دون أن يعي ذلك في بداية الأمر. مرت سنة كاملة وأكثر قليلاً، ولم يمض شهر دون أن يتم نشر مقال

حتى أن بعض الأشهر قد تم نشر ما يتجاوز الثماني مقالات، مما أفسح مجالاً واسعاً للشهرة، وتبعه حمل كبير من المسؤولية، المسؤولية الأدبية والصحفية ومسؤولية حمل هموم المواطن ومطالبه أحياناً كثيرة. فقد ورد لبريدي الإلكتروني عدد مهول من رسائل القراء بعضها يحمل مطالبات واقعية يراد لها أن تُعلن وبعضها حمل هجوما شخصيا أو غير شخصي، والبعض منها كان مدحاً وغير ذلك كثير مما يفيد الكاتب ويضيف له ولقلمه ولأفقه.

تعلمت الكثير ولا أبالغ في القول حين أقول إن ما تعلمته خلال بضعة أشهر مرت كان أكثر بكثير مما تعلمته ربما في المدرسة وما تبعها أو من خلال احتكاكي المباشر بالناس على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم، تعلمت الإلتزام والدقة وتحري الحقيقة من أبي بشار الأستاذ المالك ولعلي أستشهد باتصال لسعادته منذ عدة أشهر حينما كتبت مقالاً عن خصخصة التعليم بالمملكة، وقد اتصل بي شخصياً وكان الوقت متأخراً بمفهوم العمل، وكان حاداً في تعبيره فطناً في استخدام ألفاظه حينما دعاني لضرورة إعادة قراءة النص قبل إرساله للنشر لتدارك ما قد يحتويه من أخطاء طباعية قد تحرف المعنى عن ما أريد له، هذه اللفتة منه كانت بمثابة جرس إنذار قوي نبهني لضرورة صرف مزيد من الوقت في مراجعة النصوص احتراماً للقارئ وأيضاً للجريدة التي تسعى دوماً لأن تكون في طليعة الصحف المحلية، وكان ذلك أيضا بمثابة درس في تعلم فنون الإدارة والمتابعة والحرص والإنجاز.

تعلمت من رسائل القراء ضرورة الكتابة بلغتهم حين أكتب لهم، تعلمت ألا أكتب كلمات قد تحمل عدداً من المعاني يتم تأويلها بحسب انتماء الشخص/القارئ الفكرية أو العقائدية؛ ذلك أنَّ من يقرأ لا يمكن أن يحمل (ذات) من الثقافة بغض النظر عن نوعها ودرجتها. تعلمت أن من يهاجمني أحيانا وليس دائما هم من يختلفون معي لمجرد الاختلاف وليس الاختلاف هنا صحيا وإيجابيا. تعلمت ممن يمدحني أحياناً أنه مدحني ربما لإعجابه بكلمة أو جملة كتبتها أو ربما لطرقي جانب من حياته أو معاناته دون النظر للمفهوم العام للمقال. مثل أولئك الذين هاجموني بمجرد مشاهدتهم لعنوان المقال دون قراءة المقال ذاته.

تأكدت مما كنت ولازلت أؤمن به أن معظم العامة يميلون مع الحدث حين وقوعه وقلة فقط هم من يقف مؤيدا أو معارضا، أعلم سلفاً أن هذا المقال اليوم سيغضب الكثير وخصوصاً ما ورد بهذه الفقره لكنها الحقيقة من وجهة نظري، فكثير من القضايا التي تناولتها مقالاتي أثبتت لي صحة تلك النظرية فتشاهد عزيزي القارئ أن أغلبية المتابعين لا يشكلون رأياً عاماً ما لم يقدهم في ذلك شخص أبدى رأيه بشكل صريح سواءً معارضا أو مؤيداً، ولتوضيح ذلك أقول: إن القضية محل النقاش إن كان لها جانب يمس واقع الناس المعاش، تجد معارضا ومؤيداً وهم فئة صغيرة لا تتجاوز ربما العشرين بالمائة والباقي هم ممن لا رأي لهم، وتميل تلك الفئة العريضة لاحقاً مع الجهة الغالبة.

تعلمت أني إن ناقشت قضية في صالح المرأة، أعُتبر ذلك كمعول هدم لدى فئة، فيما اعتبرني آخرون مناصراً لحقوق المرأة تجدهم ينقلبون في اليوم التالي حينما يقرأون مقالاً كتبته في غير صالح المرأة ذلك لأنهم شكلوا رأياً عاماً عن توجهاتي لمجرد كتابتي لمقال عن حقوق المرأة. أحدهم قام بتكفيري بشكل واضح وصريح ومباشر لمجرد أني أشرت لمن تقوم بخلع العباءة عند خروجها من البلاد عندما كنت أناقش في إحدى مقالاتي القيم الإقليمية أو الجغرافية. فيما ذهب غيره لنعتي بالعلماني والليبرالي والغباء والجهل وعدم الذكاء وكثير من الصفات التي أضافت لشخصي.

تعلمت احترام القارئ، وأن كثيراً، بل معظم من يقرأون هم من النخبة المثقفة التي يفترض أن يتم مراعاة ذوقها في الكتابة والطرح بذات الدرجة التي يتم مراعاة غيرهم ممن يستعصي عليهم فهم معنى أو عبارة. تعلمت ألا أورد في مقالي ما يتم إرساله عبر البريد الإلكتروني دون تحري مصدره، فقد حدث ذلك حينما أوردت رسالة أم مكلومة لابنها كان قد طلب مني أحد القراء عبر البريد أن أتطرق لمعاناة ابتعاد الأبناء عن أمهاتهم وعقوقهم لوالديهم، وقمت بوضع رسالته في رأس أحد المقالات التي انتهيت للتو من كتابتها وإعدادها للنشر، وتم نشر المقال برسالة الأم، ولم أكن أعلم أنها لم تكن من صياغة أخينا الذي أرسلها، بل كانت للدكتور عبدالملك القاسم الذي أرسل معقباً عليها لرئيس التحرير برسالة غاية في التهذيب وحسن الخلق؛ الأمر الذي أخجل كاتب هذه السطور لتواضعه وحسن نواياه وعلمني درساً إضافياً في فن التعامل.

علمتني هذه الهواية؛ حيث إنني لم أمتهنها، علمتني أن أناضل من أجل الحقيقة والرفعة والرفاهية والعيش، علمتني أن أنشد الحقيقة وأبحث عن مكنونات الوجود، تعلمت أن أستمر في بحثي عن التغيير، علمتني أن الكتابة أمانة، وأن كل كاتب يجب أن يتحلَّى بصفات الأمانة والنزاهة، طالما ارتضى حمل هذه المسؤولية، تعلمت أن أتواضع وأسمع لمن يحمل هماً يريد أن يوصله، برغم يقيني أنني لست ناقلاً جيداً وليس المنبر الذي أكتب من خلاله منبراً لاستجداء الناس أو المسؤولين، لكنني أؤمن أنني مسؤول عن أمانة القلم وما يخرج منه، ومسؤول عن نقل معاناة إذا كانت في حجم ظاهرة ولم تكن قضية فردية، وتعلمت، حتى لو كانت كذلك، ألاّ أستهين بها.

أخيراً، تعلمت أن هذه المهنة صعبة وأن القلم مسؤولية وأن الكاتب مستأمن، أعان الله العاملين بها من كتّاب ورؤساء تحرير وغيرهم.

والله من وراء القصد..



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد