Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/04/2009 G Issue 13344
السبت 15 ربيع الثاني 1430   العدد  13344

سحاب
فقط أنتم أيها السعوديون..!
د. عبدالإله عبدالله المشرف

 

عقب حوار هادئ بين أستاذ جامعي أمريكي مع أحد طلابه السعوديين حول العلاقات الاجتماعية في الغرب والشرق، أقنعه تلميذه بأن الشرق متطور جداً في علاقاته الاجتماعية والأسرية مقارنة بالغرب.

وقد أظهر البرفيسور الأمريكي تأييده لطالبه وأبدى تساؤله عن سر تفرد شخصية الطالب السعودي واعتزازه بهويته وثقته المطلقة بسلامة وصحة معتقده، وقد ختم مقولته (إنني أعجب منكم أيها السعوديون فثقتكم بدينكم ومعتقداتكم ليس لها حدود).

ما السر الذي دفع بهذا المستشرق الأمريكي أن يعلن بكل وضوح عجبه من السعوديين الذين لا يغيرون معتقداتهم وقيمهم انبهاراً بتقنية أمريكا ومدنيتها؟ ما طبيعة التحصين الذي يحظى به السعوديون دون غيرهم من الشعوب العربية والإسلامية فيحققون أهدافهم، ويرسمون لوحة رائعة لاعتزازهم بهويتهم وانتمائهم لأمتهم؟

من خلال تحليل لعدد من المعطيات المتعلقة بتنشئة الطالب السعودي عن غيره من الطلاب العرب والخليجيين تتضح بصورة جلية دور مناهج التعليم السعودي كأحد أهم الأسس الفاعلة في بناء شخصية الطالب، بالإضافة إلى عوامل أخرى في المجتمع مثل الإعلام، الأسرة، البيئة الثقافية العامة، تلك المعطيات مجتمعة أسهمت في تكوين البناء الثقافي للطالب السعودي فأضحي متميزاً في تفكيره وانتمائه واعتزازه بهويته.

نعم، إنها مناهجنا التي كانت -بعد الله- السبب الرئيس في تفرد شخصيتنا، وقوة انتمائنا لديننا ووطننا وأمتنا، وهذه المناهج على الرغم مما توصم به عيوب إلا أنها تؤدي دوراً ريادياً في إضفاء سمة التميز في الشخصية الثقافية التي تحظى بها هذه البلاد المباركة، وهي بحق مصدر من مصادر تميزنا.

وإذا كنا نشتكي قصوراً في مخرجاتنا التعليمية فقد يعود ذلك إلى طريقة تنفيذنا لمناهجنا وليس لما تحتويه من قيم ومبادئ وأهداف سامية، لذا فإن علينا أن نطور مناهجنا وطرائق تدريسنا وأن نسخر كل وسائل التقنية المتاحة لنجعل منها أنموذجاً فريداً للمعاصرة والأصالة.

ففي دراسة تحليلية أجرتها الإدارة العامة للمناهج بوزارة التربية (1423هـ-2003م) للمقارنة بين محتوى مناهج اثنتي عشرة دولة كان من بينها (ألمانيا، أستراليا، الأردن، تونس، إسرائيل، إيران..) أظهرت نتائج الدراسة تبايناً طريفاً في المناهج بين ثلاث دول (متدينة) (السعودية، إيران، إسرائيل)، حيث أكدت الدراسة على حرص تلك الدول الثلاث على تعليم الأخلاق والدين بشكل إلزامي في جميع مراحل التعليم، غير أن الاختلاف ظهر في حجم المحتوى القيمي الأخلاقي حسب المرحلة الدراسية، فالمملكة العربية السعودية ركزت على المرحلة الابتدائية في حين ركزت دولة إسرائيل على المرحلة المتوسطة أما إيران فقد ركزت على المرحلة الثانوية، ولعل التفسير الأقرب لذلك هو أن البناء العقدي الإيماني يأخذ الأولوية في المناهج السعودية، في حين تستفيد إسرائيل من المرحلة الابتدائية في تحقيق التجانس بين المزيج من المهاجرين وتعليم اللغة العبرية ويبدأ البناء العقدي في المرحلة المتوسطة، أما إيران فالتركيز لديها على تنمية مهارات الحوار والإقناع من خلال المعتقدات الدينية الجدلية ويتحقق هذا في المرحلة الثانوية.

هذه المقارنة تظهر لنا بوضوح أن الدولة التي تحترم ذاتها لا بد أن تعتني بشخصيتها وهويتها وعقيدتها، ونحن فخورون بديننا وهويتنا، ونعتقد أن بناء الفرد المسلم المعتز بدينه المنتمي لوطنه والواثق من نفسه، صاحب القيم والمبادئ، مطلب أساس في بناء المواطن الصالح في المملكة العربية السعودية، والتجارب المعاصرة تشير إلى أن الدول التي حققت منجزات كبرى في التنمية والتطور كانت من أشد الدولة محافظة على هويتها الوطنية ومن الأمثلة على ذلك: اليابان، إسرائيل، ألمانيا، الصين.. وغيرها.

لقد أدرك القائمون على التربية أن التوجه العالمي الحالي في إعداد المناهج وتطويرها ليس في تغليب مناهج العلوم والرياضيات فقط، فهذه العلوم مهمة وأساسية لكن الأهم هو مناهج العلوم الاجتماعية والعلوم الأخلاقية التي من خلالها يتم بناء شخصية الفرد وصناعة الفكرة وتعميق الانتماء وبلورة الرؤية الحياتية، ولذا فقد تزايد الاهتمام بشكل كبير بما يسمي بالتعليم القيمي character learning، حيث تأكد لقادة المنهج أهمية التركيز على بناء القيم والأخلاقيات لتكون الوعاء الأمين للعلوم الطبيعية والرياضيات والتقنية في خدمة التنمية البشرية، فلن ينتفع العالم بالمخترع المبدع الذي لا قيم تحميه من توظيف موهبته في تدمير الآخرين. قال الشاعر:

إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ

فإن هُمُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا

إننا عندما نتحدث عن جنسية معنية فليس من باب التزكية الذاتية لأتباعها عن غيرهم، فالسعوديون كغيرهم من الشعوب لديهم من العيوب الكثير، وليسوا أحسن حالاً من غيرهم في كثير من الأمور، غير أن الهدف من تخصيص جنسية معينة انصب على المنهج الفكري لبناء الفرد في المملكة العربية السعودية، هذا المنهج الذي نحسب أن آثاره كبيرة إيجابية ثقافية عالمية، وكلنا أمل أن نتلافى مستقبلاً أية آثارٍ سلبية لمناهجنا أفرزتها عادات وتقاليد ليست ذات صلة بقيمنا ومبادئنا وثقافتنا الإسلامية الأصيلة.

amusharraf1@riyadhschools.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد