الصغيرة التي كانت تتابع برنامج الأطفال، وهي تجلس بين الكبار وهم يجادلون في موضوعات عديدة، لم تكن معهم في مجالها الفكري، لكنها لم تكن قادرة على صم أذنيها عن سماع أصواتهم، ولا تطوُّف عينيها عن حركاتهم، فبعضهم كان يأخذه الحماس للوقوف وتحريك اليدين ورفع الصوت؛ إمعانا في التعبير عن وجهة نظره، وآخر يتداخل بأسلوبه العدواني يضخمه بكلمات هي في قاموس أمها من الممنوعات؛ حيث تعرف من أمها أن الألفاظ البذيئة في حق أحد ما ليست من الأخلاق الحسنة، لذا لم تكن تستطيع التمتع ببرنامجها، ولا متابعة فقراته بسعادة، وليس لها مخرج آخر، ولا مكان سوى الذي يجلسون فيه جميعهم أمام التلفاز، تأففت، اعترضت عليهم لمرات، وضاع في كل مرة بين أصواتهم صوتها الرقيق، لكنها عندما عجزت، أرسلت صرخة مدوية صمت في إثرها جميعهم.
قالت لهم: (تعبت منكم، تتحدثون كثيراً، موضوعاتكم كثيرة، كلامكم كثير، أصواتكم كثيرة، وكأنكم في السوق، تعبت منكم، كما أتعب في السوق وأنا أركض وراء أبي وأمي، المحلات كل شيء فيها كثير يتعبني، والأصوات كثيرة، مثل الشوارع، السيارات فيها كثير والزحمة كثيرة والأبواق كثيرة).. ترى أي كثرة هذه التي يعجُّ بها هذا الزمن بأناسه وأوجه مرآته..؟
ما إيجابياتها وما سلبياتها؟..