أسباب امتلاء الصدر وغل القلب قسمان: مباشرة وعلى رأسها الشيطان فإن الفرقة والخلاف وملء الصدور بالشحناء وضيق الصدر غاية من غاياته، من حديث جابر (رضي الله عنه) أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحرش بينهم) أي بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها.
|
وهناك سبب آخر وهو مرض القلوب كسوء الظن والنجوى والحسد والغرور والهوى وحب التصدر ونحوها. فإذا تراكمت تلك نكتت في القلب وأصبحت راناً عليها فلم يعد يهتم أو يعرف معروفاً أو ينكر منكراً.
|
أما القسم الآخر غير المباشر: فهي الاختلاف في وجهة النظر وطريقة سير العمل فتؤدي إلى الخلاف في الآراء والتصورات فتجفو القلوب وتمتلئ بالشحناء كذلك التنافس الذي يتعدى إلى الحسد والغل على الآخرين بين الأفراد. كذلك الكيد للناصح والتفتيش عن عيوبه وبثها وكذلك التعاملات مع الآخرين سواء بالتجارة أو البيع أو الشراء ونحو ذلك حيث تمتد إلى سوء الظن والحسد فرحم الله رجلاً سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى وإذا اقتضى.. نسأل الله العافية.
|
أما علاج هذه الأمور والأسباب فتأتي من منطلق النية الطيبة والخالصة ودعاء الله بصدق وإلحاح أن يرزقك قلباً سليماً محباً للآخرين وتسأل الله حسن الخلق وسخاء النفس وسلامة الصدر والنصح للأمة. فما أجمل العفو! ثم إنه يتطلب الحذر من الغفلة عن القلب ومراقبته الجيدة وتنقية القلب من الغل والحقد والحسد وترويض النفس ومجاهدتها ومراقبتها وحسن الظن بالآخرين والتماس العذر، يقول محمد بن سيرين (رحمه الله): إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد له فقل: لعل له عذراً لا أعلمه). ومن علاجات تلك الأسباب: الصبر والتحمل. والاحتمال مقبرة المتاعب كذلك العفو والصفح (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فلتعم المحبة والمودة وجمع القلوب وتوحيد الكلمة بين المسلمين، وهذا من صفات المسلم الورع والمؤمن الحق. يقول الشاعر:
|
إذا أدمت قوارصكم فؤادي |
صبرتُ على أذاكم وانطويتُ |
وجئت إليكم طلق المحيّا |
كأني ما سمعتُ ولا رأيتُ |
فالمؤمن المطمئن قلبه بذكر الله النابض بحلاوة الإيمان لا يحتمل أبداً بين جنباته حقداً على أحد وهذا سببٌ لدخوله الجنة. فليس الأمر بكثرة الصلاة وكثرة الصيام وكثرة الصدقة وإنما بشيء وقر في القلب وهو الصدق مع الله وسلامة الصدر وتنقية هذا القلب من الغل والحقد والغش للمسلمين.
|
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس قال: كُنَّا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار تقطر لحيته من آثار وضوئه وقد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع نفس الرجل. وعندما بات عنده عبدالله بن عمرو ثلاث ليالٍ لم يره يقوم من الليل شيئاً وإنما كان يذكر الله حال استيقاظه فسأله ليعمل مثله اقتداء به، فقال الرجل: (ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا حسداً لأحدٍ على خير أعطاه الله إياه)، فالحذر الحذر من الغل والحسد، والبدار البدار لصفاء النفس ونقاء القلب وحسن الظن والمحبة والعفو وحسن الخلق. نسأل الله أن يطهر قلوبنا ويبعد عنّا الحسد والشقاق والنفاق.
|
|
*المستشار الشرعي والباحث الإعلامي عضو الجمعية الفقهية السعودية |
|