أظهر أستاذي ووالدي الدكتور محمد عبده يماني قدرته الشعرية التي هي مَظِنَّة السُّموق لو صادف منه ذلك فراغاً عمَّا شغل به نفسه من علم ومتابعة، وكانت قصيدته (القصيبي، وقاهرة المعز، وحبُّ يتجدَّد)، ذات نقد رقيق مؤدب؛ لأن القصيبي سامحه الله من العشُاق، وقال في مقدمة قصيدته: (قرأت قصيدة أخي الشاعر الرقيق الزميل الدكتور غازي القصيبي عن القاهرة العزيزة علينا جميعاً، وكرهت أن يتغزل وقد وهن العظم منه، واشتعل الرأس شيباً؛ فكتبت هذه الكلمات؛ لأعبر عن شعوري نحو تلك الأيام الخوالي، وأن يعود إلى رشده، ويتذكر أيام (الملز) و(المقيبرة) و(عليشة) بدلاً من ذكريات عفا عليها الزمن في (جروبي) و(الدقي)، فإليه أهدي هذه الكلمات).
|
قال أبو عبدالرحمن: حسبي الله على القصيبي: أيتغزل وهو كما قال الشاعر العامي:
|
وأنا احسبنِّي صغير وبالعِمِرْ توِّي |
ولا شكِّ شيَّبتِ وأحلى العِمْر عدَّيته |
وههنا أردتُ أن أشارك الدكتور محمد عبده في اللوم والعتب، ثم بدا لي امتثال ما أمر الله به من العدل بلا انفعال؛ فظهر لي أيها القوم أن حبَّ مَن قَبْلَ الأشدِّ حب عارم تضطرم فيه الغدد الجنسية حسب تجربتي، والعلم عند الله بتجارب الآخرين، والحب العارم في الشعر عند المحسنين تعويض عن طلب الوِصال غير المباح، وتخوُّفٌ منه، وتورُّع عنه.. ويبعثه بلا إرادة كثٌّ وبثٌّ يطرِّزه لدى الفنانين جمالٌ فنيٌّ أداءً وصورة، وبراعة في اختيار المفردة والجملة المركَّبة، وبراعة فكرية تلتحم بقيمة الجمال؛ لأن من عناصر الجمال أن يغبط العقل ما وعاه النص الفني من تضميح فكري ويطرب لذلك.. والحب في الشعر غزلاً عن تجرِبة، وتغزُّلاً عن غير تجرِبة ولكنه يُطرب المتلقي: سيرة عملية في سلفنا الصالح ما لم يكن ثمة إثم، أو تشبيب بالمساتير ودلالة عليهن.. وأحب أن أذكر أبياتاً للإمام ابن حزم رحمه الله في هذا الموضوع أُتبعه ببعض التفصيلات..
|
|
يلومُ رجالٌ فيكَ لم يعرفوا الهوى |
وسيَّانَ عندي فيكَ لاحٍ وساكت |
يقولون جانبت التصاون جملة |
وأنت عليم بالشريعة قانت |
فقلتُ لهم هذا الرياء بعينه |
صُراحاً وزِيٌّ للمرائين ماقتُ |
متى جاء تحريم الهوى عن محمد |
وهل منعه في محكم الذكر ثابت |
إذا لم أواقع محرَّماً أتَّقي به |
مجيئيَ يوم البعث والوجهُ باهت |
فلست أبالي في الهوى قول لائم |
سواءٌ لعمريْ جاهر أو مُخَافِتُ |
وهل يلزم الإنسان إلا اختياره |
وهل بخبايا اللفظ يؤخذ صامت(1) |
قال أبو عبدالرحمن: خبايا اللفظ الحبُّ الصارخ في الشعر، والصمت للساكت يعني طهارة الجسد من الدنس المحرم، وههنا أمور:
|
أولها: أن الجنس العطوف منذ كان لمحةً في العِير وعند الخباء إلى أن كان إيقاعَ أقدام طروبة على مثل كورنيش النيل فتنة تُنطق الأبكم بنفائس الغزل؛ فتكون مفتاحاً لجماليات الفن.
|
وثانيها: ليس بوسعنا أن نقدر على مثل سيرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، بل في ديننا - والخطاب لحنظلة رضي الله عنه: (ولكن يا حنظلة ساعة وساعة!!).. بعد قوله صلى الله عليه وسلم: (لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم)(2).. ومعنى هذا أن الله رحم عباده بسويعات يفعلون ويقولون فيها المباح ويخوضون فيه، ولا سيما الشعر؛ فهو ديوان العرب مُحَبَّب إليهم، وذلك خير من المجالس التي كلها غيبة وتهكُّم وتنكيت سامج ليس فيه مردود على الأدب الذي هو من جماليات العرب، وهو ساعة وساعة في أُوَيْقَاتِ تجلِّيات ونزهة، ولو أراد القصيبي أن يتفرغ للهوى ما قدر؛ لأنه مُثقل بالعمل وهموم عصره؛ وإنما يُلام مثل نزار قباني؛ لكثرة الفحش، ولأنه ليس لله منه جانب، وعمره مصروف للشعر الذي مجونه كثير.
|
وثالثها: المحب المؤمن يتداوى بالبثِّ في شعره من غير فحش في القول بعد الابتعاد عن الفحش في السيرة؛ فيجد من بثِّه وصلاً وهميّاً لا يُؤاخذ عليه، وقد استمع رسول صلى الله عليه وسلم إلى لامية كعب بن زهير رضي الله عنه، وأثابه عليها، وأولها تغزُّل.
|
ورابعها: أن عشق الغزل والتلذذ بسماعه سيرة للمسلمين مباحة منذ صدر الإسلام لا يُضللون بها، وإلا لهلك الخلق !.
|
وخامسها: استعاد الصالحون قصيدة عمر بن أبي ربيعة، وطربوا لها، مع ما فيها من حب مثير لا أظنه صدر عن تجربة صادقة، وهو معترف بذلك، وفي القصيدة مثل هذا النفس:
|
وغاب قُمير كنت أرجو غيوبه |
وروَّح رُعيان ونوَّم سمر |
إلى أن جاء المخدع المتخيَّل ليقول:
|
فقلت لها لقد قادني الشوق والهوى |
إليكِ وماعين من الناس تنظر |
وانتهى اللقاء - ولا لقاء - بمثل قوله:
|
فبتُّ قريرَ العين أُعطيت حاجتي |
أُقبِّل فاها في الخلاء فأكثر(3) |
وكثير من ذوي العشق الحقيقي ذوو عفاف ينفِّسون عن عوارض الحب بوصالٍ ممتنع من نسج الخيال.. والملاحظ أن أكثر العلماء الذين حفظوا ماءهم في إنائهم يأخذون من سويعات حنظلة رضي الله عنه ما يُسلُّون به أنفسهم من بثِّ العشاق؛ ليتقوَّوا على الطاعة(4).
|
لأن النفوس تصدأ كما يصدأ الحديد (وهو صحيح المعنى لو لم يُرْوَ نصاً عن السلف)، والحجة من ضرورات الشرع في المباح بشرطه.. مع أن جل وقتهم مصروف للعمل في شؤونهم وشؤون إخوانهم المسلمين وللعبادة والتلاوة والعلم وقيام الليل، ولا أحصي العلماء الذين شاركوا بقصيد عاشق مُجنِّح.
|
وسادسها: أن الجمال الغزلي يصقل النفس، ويُهذِّب طباعها، ويفتِّح مدارك العقل للفهم والتلقي، ولهذا توصَّل مهيار الديلمي بطريقة أنيقة إلى التنصل من وشاية الحساد عند ممدوحه وأطرب مستمعيه بقوله في المدخل:
|
أما وهواها عِذْرةً وتنصُّلا |
لقد نقل الواشي إليها فأمحلا |
|
وطارحها أني سلوتُ فهل رأى |
له الذمُّ مثلي عن هوى مثلها سلا |
|
سلا ظبية الوادي وما الظبي مثلها |
وإن كان مصقول الترائب أكحلا |
أأنت أمرت البدر أن يصدع الدجى |
وعلَّمت غصن البان أن يتميَّلا |
تَعَلَّقْتها غِرّْاً وليداً ناشئاً |
وشِبتُ وناشي حبها ماتكهلا(5) |
وسراة القوم عشاق صورة، ثملون بالحب من غير ولوغ جنسي، وما ضلل العلماء شادياً بالحب ولا متلقيّْاً ما ظلَّ عفيفاً، وما حجز عليهم دينهم التوسُّع بالمباحات؛ وإنما يُعاب من ربض في الشبكة، وغرق في المغطس، ولم تكن جمالياته على هامش حياته الجادة؛ وإنما تنقبض النفس من مثل هذا العُهْر للجواهري:
|
ثم كانت دعابةٌ ومجون |
فارتخاءٌ فلذة فانغماسَةْ |
وعلى اسم الشيطان دستُ عَضوضاً |
ناتئ الجنبين حلو المداسَهْ(6) |
فهذا أدب مكشوف قبيح، وتجديف يُشوِّه مُحيَّا الأدب؛ لأن للجمال أمشاجاً من قيمتي الحق والخير عنصرها الكمال، والمسلمون علماء وعامة يمجُّون هذا ديناً، ويستقبحونه فنياً، ويعيذ الله شعر القصيبي أن يكون فيه شيء من ذلك.
|
والشريف الرضي ذو علم ومجالس علمية وأدبية، ومن أشرف البيوت، وهو نقيب قومه القائم بشؤونهم، وله جمال فني يأسر القلوب كقصيدته التي مطلعها:
|
يا ظبية البان ترعى في خمائله |
لِيَهْنِكِ اليوم أن القلب مرعاكِ(7) |
وما عاب أحد في دين أو جدٍّ من أحب الديار؛ لأنها مقر حبِّه كما في قول الشريف الرضي:
|
وتلفتتْ عيني فمذ خفيت |
عنها الطلولُ تَلَفَّتَ القلب(8) |
والعامة أهل ورع يطْربون لمثل:
|
قلبي يحب المردمة والينوفي |
أحبها من حب حي وراها |
ويطربون لمن جاء ببصْري يِقنّْه (جدد جروح العود والعود قاضي) أي شيخ كبير.
|
وسابعها: الحكم الشرعي عن النظرة الجالبة للحب أن لك الأولى؛ لأنها مفاجئة، وليست لك الثانية؛ لأنك تعمدتَّ ما يأسرك ولم تمتثل أمر الله بغض النظر؛ فكيف قال الإمام أبو محمد رحمه الله: (وهل يلزم الإنسان إلا اختياره)؟.
|
قال أبو عبدالرحمن: ما كان تغزلاً فهو مباح بيقين في السيرة العملية إذا سلم من الفحش، وعادة العرب تقديم النسيب في الشعر؛ لأن النفوس تهفو إليه.. وما كان غزلاً فإنه يوجد نظرات لا نظرة واحدة مفاجئة بغير اختيار، كحدوث النظرة الواحدة المفاجئة مرات في أزمان مختلفة مثل ابتلائنا في زمان مضى وانقضى بسلام بأكثر من نظرة مفاجئة بإيقاع أقدام لذيذة على مثل كورنيش النيل، وهكذا أصحاب العِير (السلف والمظاهير) والرعاة، ومن كانوا أخداناً قبل الحلم فكبر الهوى وأرادها زوجة فمنعه أهلها؛ فيجيش شعره حسرة كالشعراء العذريين، وما فسَّقهم الصلحاء، ولا عابوهم، وربما نصحوهم إشفاقاً عليهم من فقد القدرة النفسية أو العقلية أو البدنية؛ ولهذا أوصى مَن كتب في الحب كالإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله بالصبر والأدوية الشرعية والتعويض بزوجة يُؤدم بينهما ولو تكرَّرت التجربة.. على أنني تتبَّعْتُ شعر العذريين ومن سُمُّوا مجانين ليلى ولبنى فوجدت جمالاً فنياً ولم أجد ما يقتضي فَقْدَ شيء من القدرات المذكورة، ولي مجلد لي ضخم طبع منذ أعوام باسم (كيف يموت العشاق) سبرت أحوالهم فوجدت فَقْدَ تلك القدرات من أساطير الفصحاء والعوام للتظرُّف، ولا يصح إلا النزر القليل.. والتنفيس بالغزل المباح داخل في الأدوية الشرعية التي ذكرها ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى.. وطرب الصلحاء لعباس ابن الأحنف المتغنِّي بفوز فما وجدوا فسقاً في الشعر، ولا ممارسة محرَّمة، وأثار العواطف بمصائب حُبِّية تكاد تُفقده القدرة والناس تعلم أنه سليم معافى كقوله:
|
تجافى مرفقاي عن الوسادِ |
كأن به منابتَ للقتادِ |
وباتت تمطر العبرات عيني |
وعين الدمع تنبع من فؤادي |
ويذكر وصالاً إن صدق لم يتعدَّ المحادثة في قوله:
|
وكنا عاشقين ذوي صفاء |
وورْيٍ في الجوانح ذي اتقاد |
وكنا لا نبيتُ الدهر حتى |
نكون من اللقاء على اتِّعاد |
وهو لم يجعل للتهمة مجالاً بقوله:
|
وباح بسرِّيَ المكنونِ عيني |
فأصبح وهو من حَدَث الأعادي(9) |
أفيبكي من نعم بالوصال ؟!.. والناس الصلحاء يعلمون ذلك، ويلتذون بمثل هذا الغزل، والفقهاء يحكمون بأن الشاعر - ولا سيما من عُرفت عذريتهم - لا يؤخذ بإقراره على نفسه في الشعر، وقد قرر ذلك شيخي محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره (أضواء البيان) بآخر سورة الشعراء.. ولكن لو تبجَّح بعد ذلك واعترف للناس بقول مباشر أُدين به، وحجة ما رجَّحه شيخنا الشنقيطي أن الله أَكْذَبَ الشعراءَ.. وهل في الغزل الصادق أحب من هذا البيت الأخير الآتي الذي جمع عفة ووفاء لذات حب عذري، وذلك في قول جميل بثينة:
|
فلرُبَّ عارضة علينا وصْلَها |
بالجد تخلطه بقول الهازل |
فأجبتها بالقول بعد تستُّر |
حبي بثينةَ عن وِصالك شاغلي |
ويقلن إنك قد رضيت بباطل |
منها فهل لك في اجتناب الباطل |
ولَباطِلٌ ممن أحب حديثه |
أشهى إليَّ من البغيض الباذل(10) |
وليس ههنا صور، ولكن الجمال في لذة التخيُّل لقضية بحوار ذكي.
|
وثامنها: أن السيرة العامة للصلحاء على مدار تاريخنا طربت للغزل البريء والتغزل غير الفاحش كما أسلفتُ، وأنا أعلم بشعر القصيبي، وليس إلا كهذا.. وغضبوا لله عند التجديف، وبصقوا على المجون، ورثوا لمن ليس له من دنياه إلا حرفة الأدب وليس القصيبي كذلك، وليس المجون مستطاباً إلا لدى مُجَّانٍ عن الصلحاء في عُزْلة كما قال صريع الغواني:
|
شفَّ الهوى مهجتي وعذَّبها |
فليس لي مهجة ولا بدنُ |
أحبَّ قلبي ومادرى جسدي |
ولو درى لم يقم به السِّمن |
قال أبو عبدالرحمن: ما أملح هذا لولا أنه ختم بسوء على طريقة المجَّان؛ إذْ قال:
|
لا عيب إن كنت ماجناً غزلاً
|
فقبلي الأوَّلون مَامجَنُوا(11)
|
يريد ما أكثر ما مجنوا، أو كم مجنوا ؟!
|
ومن أقبح الغزل والتغزل ما كان في الأمْرد، ومع الأسف كثر في شعر المتأخرين ولا سيما في عصور الانحطاط الأدبي، ولكنه سِمَةٌ الضَّعة لدى الصلحاء، وبحمد الله ليس في شعر غازي شيء من ذلك.
|
وتاسعها: أن أستاذي ووالدي الكبير محمد عبده أخذ على قصيبينا غزله على كبر!.
|
قال أبو عبدالرحمن: من أباح اللهو المباح بالشعر الغزلي للشباب وحرَّمه على الكهول والشيوخ؟.. لم يأت الدكتور ببرهان شرعي، ولا واقعة دنيوية تجعل القصيبي في مغطس الحب لاهمَّ له إلا ذلك كصاحب (طفولة نهد)؛ فنلومه، بل هو من أكثر الناس جّدْاً في حياته.. ولا يزال القصيبي كهلاً ولم يكن شيخاً مثلي، ولو ملكتُ موهبته الشعرية لجاش من خاطري أمشاج فنية من تجربة حُبِّية عريضة.. ولا يُكلَّف القصيبي بما لا يملك؛ فلا تجارب له في الملز والمقيبرة، وقد قضى في القاهرة مدة دراسته الجامعية؛ فهو يتذكر شيئاً كان فيما بُعَيْدَ اليفاع.. والغزل ليس فحشاً جنسياً، ولكنه آهات جمالية على حب عصم الله من إفساده (والحب إن تنكحه فسد!!).. ولا تَعْذُبُ جماليته، ويغمره الورع العذري إلا إذا كان ذكريات في الشيخوخة.
|
وعاشرها: أن المحرم المستشنع ما استباحته الصوفية من شباب وكهول وشيوخ من شعر غزلي يسمونه (الحب الإلهي) ولا تفهمه بلغته كالشعر الصوفي العربي إلا أنه غزل أرضي.. وهذا الغزل قبيح مستشنع في حق الرب سبحانه، وحب الله بغير هذا، وتأويلهم ذلك الغزل مختلف في اصطلاحاته، ولا مدد له من اصطلاح شرعي، ولا يدل على حقيقة يقرها الشرع، ولا حيله في الادعاء بلا برهان لمن يقول: (عين الشريعة عين، وعين الحقيقة عين!!) كأن الشرع خارج نطاق الحقيقة، وكأن الخيالات هي الحقائق؟!..
|
|
(أقاهرة المعز رعاك ربي |
وبارك فيكِ يا مرآة عُربِ |
وكنتِ مثابة الغادين دوماً |
إذا حار الدليل بأي درب |
أتى يشكو البعاد ابن القصيبي |
يُجدِّد بالقصيد عتيق حبِّ |
وما حب الديار شغفن غازي |
ولكن حب من دخلوا جروبي |
وتفضحه القوافي وهو يشدو |
بحبٍّ كان في شرق وغرب) |
قال أبو عبدالرحمن: الذليل الفاطمي المدَّعي الألوهية ليس رمزاً لأرض الكنانة، ولا تُضاف إليه، بل هو نقمة عليها ووباء، وإنما أرض الكنانة دار العرب والمسلمين كلما استذِلُّوا، ومن ذا لا يحب أرض الكنانة لذاتها؛ فإن التصق بذلك ذكريات حب بريئة فذلك نور على نور.. والجمال متعدد في شرق وغرب، وليس في استعذابه فضيحة ما لم يُواقع محظوراً، وليس ههنا فضيحة، وإنما هو جمال فني يُشرِّق وَيُغرِّب.. ويقول الدكتور حفظه الله:
|
(وأشهدُ أنه شهمٌ شجاعٌ |
ولكن الشجاعة لا تلبي |
وعندي في ملفاتي قصيد |
بها نجواه في بعدٍ وقربِ |
وعندي في ملفاتي رصيد |
لأشعار القصيبي رهنُ حجبِ! |
وكم راقبته وأنا وزير |
يصُوغ الشعر في أحلام صحبِ |
وكم ناصحته وأنا صديق |
وكم جاريته ونسيت عتبي) |
قال أبو عبدالرحمن: القصيدة نفس واعد بشاعرية الدكتور، ولكن مفعول (لا تلبي) غير معروف، ولا يُحذف في لغة العرب إلا ما عُرف من ضرورة السياق أو بضرورة العقل.. وشكراً للدكتور على ما حجبه من شعر الدكتور إن كان مما يؤخذ عليه، ولكن الله غالب على أمره؛ فشعر الدكتور في الدواوين والدوريات والصحافة.. وإن جارَيْتَهُ في شيء يوجب العتب على الدكتور فحسبي الله على القصيبي قال ما يُعاتَب عليه واستجرَّ غيره.. وإن ناصحته فذلك فعل الند للند، ولكنني أُشهد الله وأشهد من قرأ هذا النقد أن إفضال الدكتور عليَّ وعلى أبي تراب رحمه الله (ولا سيما عندما مرضتُ بجلطة خفيفة) مما لا يعد ولا يحصى، ولا جزاء له إلا الدعاء اللحوح.. وأما النقد وإن قسا فطبع فيَّ ولو كان الذي أنقده مثل غازي أو عبده أو الخويطر؟!.. ثم قال الدكتور:
|
(أقاهرة المعز فهدهديه |
عسى تُنسيه ليلى بعد شيبِ |
أقاهرة المعز فأرجعيه |
فقد أوهى قواه نزالُ حربِ |
هنالك في المنامة كان يحبو |
ويصدح في الرياض بشعرِ صبِّ |
ويسمع سامع تشبيب غازي |
بسحر ظبائه ترمي وتسبي |
ويشهد شاهد عدلٍ (رفيع) |
بكل القول من صدقٍ وكذبِ) |
قال أبو عبدالرحمن: لا أظن غازياً ينسى أرض الكنانة وما جبلها الله عليه من أسر للقلوب في ذاتها، وفيما تحلَّت به داخلها، والصب تفضحه عيونه، ولو نسيها لاتهمته بعدم الوفاء وحاشاه.. وهذه شقراء مسقط رأسي، والرياض قضيت فيه ضعفين وزيادة من عمري بشقراء، ولكن (كفر أبي صير) بلدي الثاني؛ لأنه تُلِيَ ليْ فيه خُطْبَةُ ابن مسعود رضي الله عنه، ولأنها مُنطلقي في زيارة أساتذتي مباشرة، واستجلاب كتب مَنْ هم أساتذتي بالقراءة لهم، والتجوال في معاهد الأنس بأرض الكنانة مع أنني محبور بمن ملأت عيني ودنياي، وما كانت ميعة الحرف والعاطفة عندي إلا بسبب طلاق كدت أفقد به رُشْدي لولا أن الله تداركني بمن ملأت حياتي حبوراً منذ ما بُعيد الأشدِّ إلى الشيخوخة..
|
|
(قصيبيٌ كُله فيضٌ بحس |
رقيق دافقٌ عذب المصبِّ |
جريء ماهرٌ فذٌ نجيبٌ |
فصيح مرهفٌ يأبى التَّأبي |
وزيرٌ شاعرٌ دكتور علم |
سفير عاشق من غير ريبِ |
وعذراً إن عَدوت على القوافي |
أسجِّل بعض إعجابي وحبي |
فأيام الصِبا تُوحي القوافي |
وتملأ كأسها من خير شربِ)(12) |
قال أبو عبدالرحمن: لا قبول لعذر أستاذي ووالدي الدكتور محمد عبده في رياضة القوافي؛ فأمنيتي أن تستمر متابعته؛ فقد نص النقاد على أن الجمال الفني يحصل طبعاً، ويحصل بالقراءة والممارسة، وشكراً للدكتور على حسن الختام.
|
قال أبو عبدالرحمن: سلفت لي مناسبة عن حكم الفقهاء في قول الشعر، وحكمت من خلال ذلك أن الغناء الساذَج بغير آلة ضرورة لمن أباح ما أباحه الله من بعض مضامين الشعر؛ لأن الشعر لا يكون موسيقياً سليم الوزن إلا بالغناء الساذَج لا باحتذاء أوزان الخليل، وبينتُ أن مثل (مستعلن) تكسر الشعر إذا لم تكن لازمة في كل بيت، وأنها ضرورة لغة، وأن الوزن يُحَوِّلها إلى (مستالن) المقابلة لمستفعلن.. وهكذا كل ما لا يلزم في القصيدة من زحاف أو علة يتحول إلى الوزن الذي يقيم الشعر من مدِّ غير ممدود، وإسقاط المدِّ من ممدود، وتسكين متحرك، وتحريك ساكن، وزيادة حرف ساكن بالإشباع.. وأن الذين غنَّوا شعرهم كالأعشى والعباس بن الأحنف والشريف الرضي ومهيار الديلمي وابن هانئ وعلي محمود طه وجورج جرداق هم أهل موسيقى الشعر.
|
وههنا تقعيد للإمام ابن حزم رحمه الله تعالى عن الشعر يناسب عتب الدكتور محمد عبده حفظه الله؛ فقد ذهب الإمام ابن حزم رحمه الله إلى أن الشعر كذب؛ ولهذا منعه نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم.
|
قال أبو عبدالرحمن: نعم فيه كذب كثير كبعض المديح الساذَج ودعاوى صفات ليست في الممدوح، ومثل ذلك ادعاء وصلٍ يحلم به الشاعر ولم يفعله، والنقاد يتقبَّلونه إذا وُجِد الصدق الفني إرضاء لحاسة الجمال، ويأنفون من كذب المضمون في الواقع.. وما دام في الشعر صدق يُحمد ويُندب إليه؛ فقد صح إذن أن الله ما منع عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم من الشعر كما جعله أُمِّياً إلا إعجازاً وإبطالاً لدعاوى الكفار؛ ولهذا ردَّ أحد الأدباء على من استدل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس شاعراً بقوله: (فقدان الشعر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة كمال، وفي فقده عند أمثالك صفة نقص)؛ وما هو إلا نقص في الموهبة لا في الأخلاق.. وأبو محمد رحمه الله شاعر جمع ما وصل إلينا من شعره الأستاذ محمد بن سليمان بن عُبيد؛ فماله عفا الله عنه استباح ما جعله كذباً كله ؟!.. والنهي عن الإكثار من الشعر صحيح في شريعة ربنا ففي الصحيحين (لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً يُرِيه (أي داء يُفسد جوفه) خير من أن يمتلئ شعراً، وهذا يعم قول الشعر وروايته.
|
قال أبو عبدالرحمن: الاستنباط من دين الله لا يكون بالاكتفاء بنص واحد، بل يُضَمُّ إليه نصوص الشرع قولاً أو سكوتاً يعني إقرار الشيء، وكذلك الضرورات في شيء مباح؛ فيكون معنى الحديث الامتلاء الذي لم يدع للجوف شيئاً من عزائم القول؛ فالمحقق إذن أمور:
|
أولها: أن أعلى درجات الإحسان التي تجعل المسلم في درجة الصِّديقين أن تكون حياته كلها وَفْق مدلول قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (سورة الأنعام 162).. ولا يَثلم هذا الفضلَ العظيمَ نصيبنا من الدنيا إذا كان بنية العبادة، ولا ما أباحه الله لنا؛ لنتقوى به على العبادة.
|
وثانيها: أن الله سبحانه وتعالى - من رحمته وعلمه بضعف العباد - سنَّ لهم المباح توسعةً ونشاطاً للعبادة، وتجاوز عن اللمم، وكثر في دين ربنا ما يكفِّر الصغائر، وجعل ما فوق الصغائر غير الشرك بالله في ميزان الموازنة بين الأعمال؛ فمن رجحت حسناته على سيئاته فالراجح في الاستنباط أنه يدخل الجنة بَدْأً، ومن تساوت سيئاته وحسناته فهو تحت المشيئة، ويشتد الرجاء في الاستنباط الشرعي أن يدخل الجنة بدءاً؛ لأن الله غفور وودود رحيم، ومن رجحت سيئاته عظم الخوف عليه بالاستنباط الشرعي أن يعذبه الله حتى يطهره؛ فيدخله الجنة، وهو على كل حال تحت المشيئة.. ويعظم رجاؤنا بدلالة السياق بنجاة الأصناف الثلاثة الذين ذكرهم الله تعالى في قوله الكريم: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ) (سورة فاطر 32-35)؛ فههنا اصطفاء، ووعد بالجنات، وبهذا عظم الرجاء استنباطاً بنجاة من تساوت حسناته وسيئاته، والظلم للنفس ههنا بدلالة ضرورات الشرع لا يشمل ظلماً من الكبائر غير الشرك بالله ترجح به السيئات كثيراً؛ وإنما ذلك حينما يكون رجحان السيئات بشيء من الصغائر.
|
وثالثها: أن الله منَّ علينا بالعفو عن اللمم.. على أنه بالاستنباط الشرعي ينبغي أن لا يكون اللمم كثيراً متعمداً مع غفلة عن الحسنات المكفِّرة كالتسبيح والاستغفار وإماطة الأذى عن الطريق.
|
ورابعها: أن من رواية الشعر وإن كثر - إذا كان مغموراً بالعزائم - ما هو من العبادة إذا استُحضرت النية، وذلك من أجل تفسير الشرع، وتدوين لغة العرب.. وهكذا قول الشعر غضباً لله في الردِّ على معتدٍ على كيان الأمة، أو كان ترغيباً في الفضائل، وتشجيعاً لذي خير بمديح مشروع؛ ليزداد من الخير.
|
وخامسها: من قول الشعر وروايته ما هو مباح للمنادمة والتنشيط على العزائم.
|
وسادسها: من رواية الشعر وقوله ما فيه لمم، وقد مضى الحكم في اللمم.
|
وسابعها: أننا نخاف على من كان كل ما في جوفه أو أكثره رواية شعر للمنادمة أكثر الوقت، أو لا شغل له من القول النافع إلا قول الشعر، ويعظم الخطر بالتجديف وكثرة المجون.. وضيَّق أبو محمد رحمه الله تعالى واسعاً؛ إذ حصر الصدق الواقعي في شعر محروم من نعمة الجمال الفني كقول ابن هانئ:
|
الليل ليل والنهار نهارُ |
والبغل بغل والحمار حمار |
والديك ديك والحمامة مثله |
وكلاهما طير له منقار(13) |
ونسي رحمه الله أن هذا الشعر ممازحة من ابن هانئ ليصل إلى الملك؛ فإذا هو يطربه بقصيدته التي مطلعها: (أليلتنا إذ أرسلت وارداً وحفاً)؛ وليس هذا لمماً ولكنه داخل في حديث: (ساعة وساعة) الذي أسلفته.. ثم قال رحمه الله تعالى: حتى إذا كذب وأغرق فقال:
|
أَلِفَ السُّقْمُ جِسْمَهُ والأَنِينُ |
وبَرَاهُ الهوى فما يَسْتَبينُ |
لا تَرَاهُ الظُّنُونُ إلا ظُنُونا |
وهو أخفى من أن تراه الظُّنُونُ |
قد سمِعْنَا أَنِينَهُ من قَريبٍ |
فاطْلُبُوا الشَّخْصَ حيث كان الأنِينُ |
لم يَعِشْ إنَّه جَلِيدٌ ولكن |
ذاب سُّقْمّا فَلَمْ تَجِدْهُ المنُونُ |
حسن ومَلُحَ، ولكنَّا نتكلَّم فيه بمقدارِ ما يحسن فنقول: الشعر ينقسم ثلاثة أقسام: صناعة، وطبع، وبراعة؛ فالصناعة هي التأليف الجامع للاستعارة والإشارة، والتَّحليق على المعاني والكناية عنها، وربُّ هذا الباب من المتقدِّمين زهير (بن أبي سلمى)، ومن المُحْدَثين حبيب (بن أوس).. والطبع هو ما لم يقع فيه تكلُّفٌ، وكان لفظه عامِّيَّا(14) لا فضل فيه عن معناه، حتى لو أردت التعبير عن ذلك المعنى بمنثورٍ لم تأتِ بأسهلَ ولا أخصرَ من ذلك اللَّفظ، ورَبُّ هذا الباب من المتقدِّمين جريرٌ، ومن المُحْدَثينَ الحسن (يعني أبا نواس).. والبراعة هي التَّصرف في دقيق المعاني وبعيدها، والإكثار فيما لا عهد للنَّاس بالقول فيه، وإصابة التَّشبيه، وتحسين المعنى اللَّطيف.. ورَبُّ هذا الباب من المتقدِّمين امرؤ القيس ومن المتأخرين علي بن العباس الرُّومي.. وأشعار سائر الناس راجعة إلى الأقسام التي ذكرنا ومركَّبة منها.. وأمَّا من أراد التَّمَهُّر في أقسام الشعر ومختاره، وأفانين التَّصرف في محاسنه فلينظر في كتاب قدامة بن جعفر في نقد الشعر، وفي كتب أبي علي الحاتمي ففيها الكفاية، والتوسع والإيعابُ لهذا المعنى.. وكون المرء شاعراً ليس مكتسباً لكنها جِبِلَّةٌ إلا أنَّه يقوى صاحبها بالتوسع في قراءة الأشعار وتدبُّرها)(15).
|
قال أبو عبدالرحمن: الكذب في هذه القصيدة ليس من الكذب المحرم؛ وإنما هو اتباع لأسلوب العرب في التعبير عن شيء حقيقةً أو ادعاء بمبالغة من القول وفيها خيال وجمال.. وتقسيم أبي محمد رحمه الله ليس له قسمة جامعة، وليس مسلَّماً به؛ فكم من شاعر مطبوع يتأتى له بداهةً ما ذكره من عناصر الصناعة والبراعة ؟.. وما ذكره عن الطبع نوع من نتاج الشاعر المطبوع، وأولى الشعراء بهذا الوصف شاعر لم يدركه أبو محمد وهو البهاء زهير، وهو من أصحاب (السهل الممتنع).. وإنما تأتي الصنعة في التغزُّل من غير معاناة، وأن لا ينهي الشاعر قصيدته إلا بعد أيام طويلة يتحرى فيها القوافي من القاموس، والمعاني من التفتيش في دواوين الشعراء، وربما كثرت السرقة الأدبية في شعره؛ وإنما جعل أبو محمد رحمه الله زهيراً من أصحاب الصناعة؛ لأنه من ذوي الحوليات والتنقيح للشعر؛ فإن غلب هذا حقَّتْ عليه صنعة الصناعة وإن وجد له شعر عن طبع وبديهة، والله المستعان.
|
(1) مختصر طوق الحمامة ص 202.
|
(2) هو حنظلة بن الربيع بن صيفي الأُسيِّدي التميمي رضي الله عنه، وترجمته في أسد الغابة 2-65، والحديث صحيح، وانظر تخريجه في مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى 29-150 - 151.
|
(3) انظر ديوانه ص120 - 127 دار بيروت للطباعة والنشر.
|
(4) قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في مختصر طوق الحمامة ص130 - 131 (وإن كان القاضي حُمام بن أحمد حدثني: عن يحيى بن مالك بن عائذ بإسنادِ يرفعه إلى أبي الدَّرداء (رضي الله عنه) أنَّه قال: (أجِمُّوا النُّفوسَ بشيء من الباطل ليكون عوناً لها على الحق)، ومن بعض أقوال الصالحين من السلف المرضيِّ: (من لم يُحْسنْ يتفتَّى لم يُحْسِنْ يتقرا (أي يتنسك)).. وفي بعض الأثر: أَرِيحُوا النُّفوُسَ فإنَّها تَصْدَأُ كما يَصْدَأُ الحَدِيد) وعن الأثر الأول قال الشيخ عبدالحق التركماني في تعليقه على مختصر طوق الحمامة ص130: روى الدُّوريُّ في: (تاريخ ابن معين) (5405) عنه قال: حدَّثنا أبو مُسْهر (عبدالأعلى بن مسهر) قال: حدثني صدقة (بن خالد الأُمويُّ): عن (عبدالرحمن بن يزيد) بن جابر قال: كان عمَيْرُ بن هانئ يضحك؛ فأقول: يا أبا الوليد ما هذا؟.. قال: بلغني أن أبا الدرداء (رضي الله عنه) كان يقول: إنِّي لأستجمُّ ليكون أنشط لي في الحقِّ.. وهذا إسناد صحيح إلا أنَّ عمير بن هانئ - وهو تابعيِّ ثقةٌ، قُتل سنة 127هـ رحمه الله لم يسمعه من أبي الدرداء؛ بل بلغه عنه، والأثر بتمامه كما أورده المصنِّفُ؛ لكن بلفظِ إخبارِ أبي الدَّرداء (رضي الله عنه) عن نفسه يَرِدُ من غير إسناد عند ابن قتيبة في: (تأويل مختلف الحديث) 1-295، والجاحظ في: (البخلاء)، وابن الجوزي في: (الحمقى والمغفَّلين)، وابن عبدالبر في: (بَهْجة المجالس)، والغزالي في: (إحياء علوم الدين)؛ وغيرهم) (رحمهم الله تعالى).. وقال عن النص الأخير "ذكره القاضي عِياض في مقدِّمة (ترتيب المدارك وتقريب المسالك) منسوباً لعليِّ رضي الله عنه بلفظ: (سلُّوا النُّفُوس ساعةً...)، ونسبه ابن عبدالبر في (بهجة المجالس) 1-116 لبعض العلماء؛ بلفظ: (حادثوا هذه القلوب فإنَّها...)، وورد مرفوعاً: (إنَّ للقلوب صدأ كصدأ الحديد؛ وجلاؤها الاستغفار) أورده الألباني في: (الضَّعيفة) (2242)؛ وحكم عليه بالوضع).
|
وقال أبو محمد رحمه الله ص404: (وأنا أستغفر الله تعالى مما يكتبه المَلَكَانِ، ويُحصِيه الرَّقيبان من هذا وشَبَهِهِ.. استغفار من يعلمُ أنَّ كلامه من عمله، ولكنَّه إن لم يكن من اللَّغْو الذي لا يؤاخَذُ به المرءُ فهو إن شاء الله من اللَّمَم المَعْفُوِّ، وإلا فليس من السيئات والفواحش التي يُتَوَقَّعُ عليها العذابُ. وعلى كل حالٍ فليس من الكبائر التي ورد النصُّ فيها).
|
قال أبو عبدالرحمن: لو طبع طوق الحمامة كاملاً لكان فيه أكثر من اللمم كتغزله رحمه الله في أمرد لما قال أبو محمد عن شاب أقبل (وَيْ: صورة حسنة؟!)، فقال ابن عبدالبر رحمهما الله تعالى: (لعل ما بدالك غير ما سترته الثياب!)، فقال: أبو محمد قصيدته التي مطلعها: (وذو عذل في من سبانيَ حسنه)، وكحكايته قصة ابن كليب، ولكن ابن حزم رحمه الله انصرف للعلم والعبادة وعزائم الأمور إلى أن لقي ربه.
|
(5) ديوان مهيار 3-194 - 195 منشورات الشريف الرضي.
|
(6) ديوان الجواهري 1-479 - 482 مطبعة الأديب البغدادية.
|
(7) ديوان الشريف الرضي 2-107 - 108 دار صادر.
|
|
(9) انظر ديوان العباس بن الأحنف 83 - 85 دار شركة الأرقم.
|
(10) ديوان جميل ص 171 دار الفكر العربي ببيروت.
|
(11) ديوان صريع الغواني مسلم بن الوليد ص176 دار المعارف الطبعة الثالثة.
|
(12) جريدة الجزيرة العدد 12854 في 28- 11-1428هـ ص14.
|
(13) التقريب ص 622 - 623.
|
(14) قال أبو عبدالرحمن: يريد ما يفهمه عامة الناس من غير تكلُّفٍ لغوي، ولا يريد العاميَّ المغمور باللحن والخطأ.
|
|
|