الجزيرة - سعود الشيباني
خذل عثمان بن مرضي العمري من ساهم في إعادته لجادة الحق بعد أن تفاجأت الأجهزة الأمنية بانكشاف هويته ضمن خلية المغارة جنوب المملكة والتي تم الإعلان عنها يوم الثلاثاء الماضي وتتكون من (11) إرهابياً حيث ترددت معلومات أن أحد أبرز الأشخاص في خلية (11) والتي ألقت القبض عليهم جميعاً هو المطلوب سابقاً عثمان مرضي آل مقبول العمري والذي كان اسمه ضمن المدرج على قائمة الـ19 مطلوباً. وكان عثمان العمري قد عاد إلى قائمة العقلاء التائبين وعاد إلى جادة الصواب والحق، وسلّم نفسه للأجهزة الأمنية بعد أن قام الشيخ سفر الحوالي بمرافقته وتسليمه لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية واستفاد عام (2004) من العفو الملكي الذي أعلنه في ذلك الوقت ولي العهد نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز قبل وفاة رحمه الله.
وعلمت (الجزيرة) أن العمري والذي كان يعمل برتبة وكيل رقيب بأحد القطاعات العسكرية قبل انضمامه لتنظيم القاعدة قد ساهم في تدريب وجلب الأسلحة لعناصر تنظيم القاعدة من خارج المملكة، ولم تستبعد ذات المصادر أن يكون هو قائد خلية المغارة، حيث إن العمري هو ثاني إرهابي في تنظيم الخلية يبلغ من العمر (46) عاماً. وصنفت هذه الخلية بأنها الخلية الوحيدة الذي يبلغ متوسط أعمار أفرادها (36) عاماً.
وكانت صحيفة (الجزيرة) قد نشرت تقريراً مفصلاً بعد عودة المطلوب في ذلك الوقت عثمان العمري حيث جاء بالتقرير الذي نشر يوم الاثنين 10 جمادى الأولى 1425هـ - 28 يونيو 2004م، وكان العمري وفي صبيحة يوم الاثنين وفي تمام السادسة صباحاً ذهب لمنزله الكائن في قرية الشيارق بمركز السرح 250كم2 شمال مدينة أبها وطرق باب منزلهم ولكن دون أي إجابة ليعاود طرق النافذة الخاصة بغرفة والدته التي لم تصدق الأمر وتوقعت نفسها في حلم.. فتحت باب المنزل وهي تحسس نفسها للتأكد مرات أخرى من حقيقة الأمر.. أيقظت من في المنزل جميعاً وهم زوجة عثمان وأبناؤه وأبلغتهم بالأمر وهبوا جميعاً إلى باب المنزل وفتحوا الباب ليتحققوا بأن الواقف هو عثمان العمري المطلوب للجهات الأمنية. هنا وفي هذه اللحظة اختلط البكاء بالفرح والسرور بالحزن لأسباب عدة منها رجوع أبيهم وعودته لجادة الحق وبعد انتسابه للفئة الضالة المروعة لأمن هذه البلاد.
استمر الجميع في المنزل حتى التاسعة صباحاً ثم انتقل العمري إلى جدة على بعد 700 كيلو متر بموافقة السلطات الأمنية ورافقه ضابط برتبة عقيد في حرس الحدود يرتبط بصلة قرابة مع عثمان العمري.
أما المطلوب عثمان العمري فقد قال: (إنه سعيد بالعفو وأشكر حكومتنا الرشيدة على هذا العفو). وقال إنه اختار الاعتماد على (أمان الملك وولي العهد) للخروج من قائمة المطلوبين أمنياً وتسليم نفسه للسلطات الأمنية.
وشدد عثمان العمري على أن العفو الملكي وظهور ولي العهد ناقلاً لخطاب العفو كان بمثابة انسكاب الماء على النار (بحسب وصفه)، داعياً رجال المال والعلم ورؤساء القبائل وحتى المواطنين للتشارك في إعلان مساندتهم لتحمل تكاليف الحقوق الخاصة (في إشارة منه إلى استبدال أحكام القصاص بديات نقدية يتشارك الجميع في دفعها).
من جانبها أبدت والدة وزوجة وأبناء عثمان هادي العمري للجهات الأمنية سرورهم وابتهاجهم بالخبر السعيد بتسليم عثمان نفسه للجهات الأمنية بعد أن ظل متختفياً عنهم لمدة تزيد على سنتين تقريباً.
وقال أبناء عثمان: سعيد، سعد، فارس، ولبنى، وقد ساد الفرح محياهم: إن عودة والدهم إلى جادة الصواب وتسليم نفسه أمر مهم جداً خصوصاً أنه كان ضمن المطلوبين للجهات الأمنية، مضيفين: أن في خطاب خادم الحرمين الشريفين الذي ألقاه سمو ولي العهد الأثر البالغ في أنفسنا وتمنينا أن ينتهز والدنا هذه الفرصة وهذا ما تحقق ولله الحمد، مطالبين جميع المطلوبين بأن يعودوا إلى رشدهم مستغلين هذه الفرصة الحقيقية التي أتت بمبادرة من حكومتنا الرشيدة.
أما والدته وزوجته فرحبتا بهذا الخبر ودعتا الله أن يحفظ بلادنا من شر الأشرار ومن ضلال المضلين وأضافتا: عودة عثمان إلى دينه ووطنه أمر مفرح وسعيد لنا خاصة بعد أن عانينا في غيابه نظرات الناس واستحقارهم لنا باعتبارنا نمثل أقارب أحد الذين روعوا هذه البلاد الآمنة، وقالتا: كنا ندعو الله في صلاتنا أن يهدي عثمان وأن يكون ضمن التائبين العائدين إلى وطنهم ودعونا الله أكثر بعد سماعنا مكرمة قيادتنا الرشيدة والحمد لله الذي استجاب لدعائنا وحقق أمنيتنا في عودة عثمان إلى الحق وما زلنا ندعو الله أن يحفظ لنا هذه البلاد الطاهرة مصدر الأمان والاستقرار.
من جانبه عبر الشيخ عبدالله بن جاري شيخ قبائل بني عمر عن سعادته وسروره بتسليم العمري وقال ل(الجزيرة): بحثنا عن عثمان في كل مكان بمركز السرح مسقط رأسه خوفاً من أن يتنكر أو يتخفى وقد أبلغنا أهله وأقاربه بضرورة التعاون مع الجهات الأمنية وقد كانوا فعلاً عند حسن الظن.
وكانت (الجزيرة) قد تجولت بقرية الشبارق بمركز السرح واستطلعت آراء الكثير من أقاربه وأبناء جماعته وكانت تأكيدهم جميعاً بأن عودة عثمان هي الخطوة الصحيحة في التكفير عن ذنوبه. وأضافوا بأننا جميعاً كنا نبحث عنه في وقت اختفائه ولكن دون جدوى حتى تفاجأنا بوجوده بيننا يوم أمس. وقالوا: هذه هي الفرصة الحقيقية أمام جميع المطلوبين ليعودوا إلى وطنهم بعيداً عن الإرهاب وويلاته والدمار وآثاره وحتى نعيش جميعاً في مملكة الأمن والأمان دون أي خوف.
وفي ذات السياق تحدث الشيخ مشرف بن عبد الله بن سكوت العمري قائلاً: لقد أسعدني جداً خبر قيام المطلوب عثمان بن هادي آل مقبول العمري بتسليم نفسه للسلطات الأمنية وذلك استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين التي كان لها بالتأكيد دور في قيام المذكور بتسليم نفسه وهذا يدل دلالة قاطعة على أن لدعوات ولاة أمور بلادنا صدى كبيراً بين المواطنين وكذا عند المطلوبين وأن الثقة لا زالت وسوف تظل وثيقة بين المواطن وولاة الأمر.
كما أضاف رئيس مركز السرح عبد العزيز بن مشبب بن جرمان الأسمري وقال: إن سعادتي كبيرة عند سماعي خبر تسليم عثمان العمري نفسه وكذلك سعدت بخبر تسليم المطلوب صعبان الشهري قبل مدة قصيرة وهذه فاتحة خير على عثمان الذي كان مختفياً طوال هذه الفترة والذي أحسن صنعاً بالاستفادة من خطاب خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وما تضمنه من عفو لمن سلم نفسه خلال شهر وإنني أدعو كل مطلوب بالإسراع بتسليم نفسه حتى ينال العفو من ولاة الأمر ويستفيد من الوقت الممنوح فالوقت يجري ولم تعد هناك فائدة من التواري والهروب.
وكان عثمان العمري أحد الموجودين على قائمة المطلوبين الـ19 المعلنة يوم 7 مايو 2003، كان مختفياً قبل إعلان القائمة مع ثلاثة أشخاص آخرين هم: حامد شيبان، (تم القبض عليه قبل إعلان القائمة واختفى الثلاثة بعدها)، ومحمد عثمان الوليدي الشهري (من المشاركين في التفجيرات) وصعبان الشهري (مطلوب أمني غير مصنف ضمن القائمة، استسلم للسلطات الأمنية في جنوب السعودية قبل عدة أيام ) وقد عمل في السلك العسكري بمدينة الطائف على رتبة وكيل رقيب ليفصل منها ليتوظف في محكمة النماص ثم اشتغل في التجارة وفي بيع الفواكه والخضار بمحافظة النماص. لم يغادر محافظة النماص وإنما كان يتنقل في الجبال الوعرة وبين المراكز ليلاً. وكان يقوم بشراء حوائجه من عدد من المحلات وكان يهتم بشراء الصحف اليومية. كما كان يتابع الأخبار عبر الإذاعة حيث كان يحمل معه راديو بشكل دائم.
وقال الشيخ الحوالي الذي اتصلت به (العربية نت) لحظة استسلام العمري عام (2004م) في منزله حيث استقبل عثمان العمري أحد المطلوبين أمنياً والذي سلم نفسه أخيراً، أنه قام بعمله بناءً على مبادرة شخصية لم يكلفه بها أحد سوى واجبه الشرعي المتمثل في الامتثال لقوله تعالى {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الآية.
وقال الحوالي: إن العمري الذي تحدث معه مطولاً (يناشد بقية المطاردين أن يسلموا أنفسهم إلى السلطات.. ويأمل أن تتحمل عنهم الدولة الحق الخاص).
يذكر أن بيان العفو الملكي الذي أصدره العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - ينص على العفو عن من (ارتكب جرما باسم الدين)، وسيعامل المستسلمين (بوفق شرع الله فيما يتعلق بحقوق الغير) كما جاء في نص البيان.
وقال الحوالي: إن جهود الإصلاح التي يبذلها منذ شهر رمضان الماضي أثمرت عن هداية ورجوع العشرات من الشباب عن فكرهم الذي كانوا يحملونه.
الحوالي تناول العشاء مع العمري في منزل الأول ثم اصطحبه إلى وزارة الداخلية للقاء الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية. وقال الشيخ سفر (للعربية. نت): إنه يأمل من خلال هذه الخطوة رجوع آخرين عن طريق الخطأ الذي سلكوه، مشيراً إلى جهود يبذلها في هذا الصدد. وقال الحوالي: (أعتقد أن العمري وغيره بعد العفو الملكي سيطالبون الدولة بمساعدتهم بتحمل الحقوق الخاصة المتعلقة بالغير). وكان الحوالي ساهم في تسليم أحد المطلوبين الأمنيين في السعودية في السابق وهو عبد الرحمن الفقعسي في يونيو 2003.
وقال الحوالي: أعتقد أن الفقعسي عومل معاملة حسنة وتحققت معظم شروطه.
وعن تأخر تسليم عثمان العمري إلى السلطات حيث مكث فترة طويلة نسبياً في منزل الشيخ، قال الحوالي: من حقه (العمري) أن أسمعه وأرى ما لديه، مؤكداً أن هذا لا يزعج السلطات ولا يزعج الأمير محمد بن نايف، فهو رجل متفهم جداً.
ونقل موقع الوفاق الإلكتروني تفاصيل تسليم عثمان نفسه في قرية (حلبا) جنوب السعودية، حيث فاجأ عائلته التي تغيب عنها مدة عامين صباح الاثنين، وفور دخوله منزله الذي استقبل فيه بالدموع وصيحات الفرح تناول عثمان الهاتف واتصل بقريبه العقيد حسين بن يحي العمري من حرس الحدود وأخبره برغبته في تسليم نفسه للأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية. وبعد اتصالات مكثفة مع الجهات الأمنية تحركت سيارة العقيد العمري وقريبه عثمان إلى مدينة جدة وسط احتياطات أمنية مشددة حيث استقبله الشيخ سفر الحوالي الذي لعب دوراً في تسليمه.
وقال مختص في شؤون القاعدة في السعودية: إن عثمان العمري كان (مؤهلاً عسكرياً)..
مشيراً إلى احتمال أن يكون العمري درب أعضاء القاعدة على استخدام الأسلحة على خلفية خدمته العسكرية.
وكان العمري خدم في القطاع العسكري السعودي برتبة رقيب في الجيش قبل أن يتجه إلى تجارة الخضروات بعد تدينه، وتطلب السلطات العمري منذ عام 2002.
وقال موقع (الوفاق) الإلكتروني إن العمري تأثر بوساطة الشيخ الحوالي، إضافة إلى تأثره بأصداء المعاملة التي لقيها صعبان الشهري من السلطات السعودية التي مكنته من الرجوع إلى ذويه بعد غياب طويل، وممارسة حياته اليومية في قريته إثر العفو الملكي.
وأشارت أنباء صحفية إلى زيارات متكررة كان يقوم بها العمري لمنزله في الآونة الأخيرة حيث سرت شائعات قوية تحمل دلائل عن تمكن عثمان العمري من التردد على أسرته بمركز السرح التابع لمحافظة النماص شمال منطقة عسير. وبهذا يستند المراقبون إلى أن عثمان كان قريباً من الحدث حينما سلم صعبان نفسه ورأى كيف أن صديقه عاد إلى قريته ليعيش حياته الطبيعية.
وقد أعطت السلطات السعودية - بحسب مصادر إعلامية سعودية - فرصة لصعبان بالبقاء إلى جانب أسرته دون معاملته كمطلوب أمني. وهذه البادرة ستسهم - كما يقول عقلاء وحكماء المنطقة - كثيراً عودة البقية وإقبالهم على ترك رحلة الضياع والهروب.
وقال الصحفي السعودي المهتم بشؤون القاعدة عبدالله بن بجاد العتيبي: إن تسليم عثمان العمري نفسه للسلطات السعودية خطوة مهمة. وأضاف ل(العربية. نت): (إن عوامل مهمة تغيرت مما شكل ضغطا على القاعدة في السعودية مما يعزز الاعتقاد بأن عدداً من المطلوبين سيسلمون أنفسهم، للاستفادة من العفو الملكي).
وأشار ابن بجاد إلى أن العناصر المتغيرة تتمثل في قتل أو توقيف عدد من قيادات القاعدة في السعودية، إضافة إلى أن أعضاء القاعدة كانوا في السابق واثقين من كثافة أعدادهم وإمكاناتهم العالية، لكن الأمر تغيّر بعد النجاحات الأمنية الأخيرة.
وأوضح ابن بجاد أن العامل الثالث الذي سيدفع أعضاء القاعدة لتسليم أنفسهم للسلطات هو مقتل قيادات مهمة والقبض على أسماء كبيرة، مما جعل غالبية التنظيم (في العراء) من دون قيادات ومن دون خطط. وقال إنه في سياق هذه العوامل المجتمعة جاء العفو الملكي ليشكل الخيار الأفضل بالنسبة لأعضاء القاعدة متوقعا أن تتوالى عمليات تسليم مطلوبين خلال الأيام المقبلة.
ويعتقد مراقبون أن المناشدة التي أطلقها والد العمري، وأسرته عبر إحدى الصحف السعودية ودعوا فيها عثمان إلى تسليم نفسه بعد العفو الملكي، كان لها أثر إيجابي.
وتقول مصادر أمنية إن ثمة علاقة وثيقة كانت تجمع بين عثمان العمري وصعبان الشهري الذي سلم نفسه للسلطات السعودية فجر الخميس الماضي.
عثمان العمري ثاني المطلوبين الأمنيين الذي سلم نفسه للأمن في السعودية، وثاني مستفيد من العفو الملكي، هو أحد المطلوبين في لائحة أمنية أعلنتها وزارة الداخلية في ديسمبر (كانون الأول) 2003.
وكان صعبان بن محمد الليلحي الشهري المطلوب في قضية أمنية والمختفي منذ 2002 أول من سلم نفسه للسلطات الأمنية من لائحة المطلوبين التي تضم 28 اسماً.
وجاء استسلام الشهري والعمري غداة إعلان العاهل السعودي عفوا عن الناشطين الذين يسلمون أنفسهم في مدة لا تتجاوز شهرا من إعلان العفو. وبموجب الإعلان تعفو الدولة عن المستسلمين، لكنه يترك للأفراد المتضررين الحق في مقاضاة المتهمين أمام القضاء أو التخلي عن حقوقهم. ويمثل العفو المعروض (الفرصة الأخيرة) للمتطرفين الإسلاميين لتسليم أنفسهم، سيصار بعدها إلى الضرب بشدة لرافضي الاستسلام.
وأعلن العفو أيضا بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن في 18 حزيران-يونيو بأيدي قوات الأمن بعد أن شنت مجموعته هجمات دامية على غربيين في المملكة.