تصريحات إيران تجاه دولة البحرين الشقيقة سيناريو آخر من سيناريوهات الأطماع الفارسية المتأصلة كمّا ونوعاً في منطقة الخليج العربي، بالطبع أطماع لا تبشر بخير وتُظهر حقيقة السياسات والتحركات الإيرانية التي ساهمت حتى اليوم في عدم استقرار المنطقة وبقائها على فوهة بركان ثائر.
إيران تلعب لعبة سياسية خطيرة بحرصها على نشر وتقوية وتثبيت نفوذها في بلاد الشام خصوصا في فلسطين ولبنان، وتسعى جاهدة لتقوية ذلك النفوذ في منطقة الخليج سواء من خلال إغراء بعض من ضعاف النفوس أو من ضعاف الجيوب الذين عادة ما يقعون فريسة سهلة لإغراءات المادة. على أية حال الحقيقة قد تكون مُرّة وغير مقبولة، لكنها واقع عتيد يجب ألا نتغاضى عنه أو نهمله أو نغفله؛ فالقضية مصيرية خطيرة لا تحتمل التهميش أو التطويل.
فلعبة إيران السياسية لعبة عقدية عرقية، لعبة تاريخية استراتيجية طويلة المدى، لعبة إقليمية عالمية الهدف، لعبة عقائدية أيديولوجية النهج والمنهج والتوجُّه، لعبة ديناميكية من حيث الحركة الاستراتيجية الجيوسياسية، تبدأ من إندونيسيا وماليزيا والباكستان وأفغانستان وتنتهي في كل من اليمن وبلاد الشام.
لذا ليس من المستغرب أن تستمر قضايا المنطقة في الاشتعال طالما هناك من يغذيها ويهيجها ويحرص على بقائها فوق صفيح ساخن. وتصريحات إيران تجاه البحرين خطوة سياسية تصعيدية جديدة لا تقل عما فعلته في الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها عنوة ورفضت كافة مساعي المحادثات السلمية لإعادتها إلى أصحابها الشرعيين. فإيران تلعب على كافة الأطراف وبمختلف الوسائل والأدوات وتوظّف كافة السياسات وتدفع بكل الإمكانيات التي يمكن أن تصرف النظر عن تحركاتها وعن سياساتها بإشغال المنطقة بحلحلة القضايا المصيرية العالقة.
وإيران الثورة التي يعتقد البعض أنها تحولت إلى إيران الدولة لا يمكن أن تتخلى عن سياسة تصدير ثورتها إلى الخارج، كيف لا وإيران محاطة بدول عربية وأخرى إسلامية غير عربية تختلف معها في المذهب وتتخوف منها ومن سياساتها الهادفة إلى فرض النفوذ الفارسي في المنطقة بأي وسيلة كانت، فالهدف ميكافيللي حتى وإن تخفى تحت مسميات إسلامية.
هذا ما يفسر حرص إيران على تفعيل سياسة التمدد والانتشار الثقافي والعقدي والحضاري منذ عام 1980م عندما منحت أعداداً كبيرة من الطلاب المسلمين من إندونيسيا وماليزيا حتى بلاد الشام منح دراسية كبيرة في جامعاتها المختلفة للدراسة؛ ما يعني حشر الثقافة الفارسية في عقول الشباب ليعودوا إلى بلادهم متأثرين ومحتضنين لتلك الثقافة لينشروها بدورهم في ربوع تلك البلاد.
وهذا بدوره ما يفسر التقارب السياسي الإيراني مع تنظيم القاعدة في أفغانستان بل وحتى مع حركة طالبان الأفغانية خصوصا بعد أن نضبت مصادر تمويلهما المادية ولم يتبقَّ لهما إلا المصدر الإيراني الذي يساعدهما على البقاء والصمود ويسهل لهما هدف التمدد والانتشار في أعماق كل من ضعف وعيه أو فقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل. وإلا كيف يمكن أن يفسر إنسان عاقل قدرة التنظيمين على البقاء والاستمرار في حال عدم وجود مصدر سيادي لدولة تدعمهما بمقدورها التمويل والتشجيع والتحريض؟
صحيح أن إيران تواجه مشاكل وتحديات داخلية وخارجية ليست بالسهلة ولا بالهينة، الأولى تتمحور حول الصراع العقدي بين الليبراليين والمعتدلين والإصلاحيين والمتشددين، والثانية مشاكل إيران في المنطقة، دعك من مشاكلها وخلافاتها مع العالم الغربي خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية. بيد أن مشاكل إيران الداخلية تجير تباعا وبسهولة على حساب المشاكل الخارجية التي غدت شماعة رحبة تعلق عليها كافة التحركات والتصرفات والسياسات الإيرانية على المستويين الداخلي والخارجي.
وتلاعب إيران بالقضايا العربية واستخدامها كوجاء أو كغطاء أو ككروت رابحة توظفها في سياسات المقايضة أو المماحكة مع الغرب يساعدها على تحقيق أهدافها الداخلية والخارجية ناهيك عن هدف التمدد والانتشار في المنطقة وفي العالم الإسلامي. فإيران برعت في توظيف القضايا العربية لصالحها حتى وإن ارتكزت في معظم الأحيان على التصريحات الرسمية وعلى الدعم المادي في بعض الأحيان.
الجديد في الأمر حتى الآن حركة الغزل الإيراني الأمريكي بعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى الحكم؛ ما يعني بداية حقبة سياسية جديدة بين الدولتين نأمل ألا تكون على حساب مصالح المنطقة وقضاياها العالقة، ففي السياسة كل شيء ممكن ومعقول ومقبول طالما يتأطر ضمن إطار المصالح القومية الاستراتيجية ويتم تدعيمه بمنطق القوة الذي لا يعير أدنى اهتمام لمنطق الحق والعدل والإنصاف.
Drwahid@email.com