في شهر (نوفمبر) عام 1983 كتبت مقالا عن أهمية إنشاء أكاديمية للفنون الجميلة في المملكة، وقد نشر المقال في مجلة (اليمامة) العدد 788. وبعد عشرين عاماً كتبت مقالاً آخر حول الموضوع ونشر في صحيفة (الاقتصادية) في شهر (نوفمبر) 2003. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، لم يعلق أحد الجرس حول هذا الموضوع المهم من كلا القطاعين العام والخاص. وأعود مرة ثالثة لتسليط الضوء على هذا الموضوع وذلك لاعتبارات عدة، منها ما يلي:
- أن مشروع إنشاء أكاديمية للفنون الجميلة كان ضمن مشاريع الكليات الجديدة في جامعة الملك سعود التي تمت دراستها منذ عام 1970 وما بعده، ولكن المشروع لم ير النور، وتم الاكتفاء بإنشاء قسم التربية الفنية في كلية التربية عام 1975، وهذا دليل واضح على أن هناك توجها من الدولة لتبني ورعاية مشروع الأكاديمية منذ فترة طويلة.
- أن تبني الدولة مشروع الأكاديمية واضح وجلي في خطة التنمية الخمسية السادسة (1995-2000)، حيث ورد النص التالي في صفحة 372 (دراسة جدوى إنشاء أكاديمية للفنون، وفي حالة ثبوت جدواها فإنها تنهض بمهمة دعم الكفاءات الفنية المتخصصة، وتوفيرها في مجالات الفنون والدراسات النقدية المتصلة بالفن، بما يهيئ على مدى قريب جيلا من العاملين في هذه المجالات، قادرا على حسن توجيه الفعاليات الفنية وتقويمها، الأمر الذي ينهض بالفنون والدراسة النقدية المتصلة). كما رأت الخطة أن تضم الأكاديمية معاهد عليا متخصصة مثل: معهد عال للدراسات المسرحية، ومعهد عال للنقد الفني.
- أن الدولة ممثلة في وزارة التعليم العالي وافقت على مساهمة القطاع الخاص في إنشاء كليات أو جامعات أهلية خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يزال هذا المجال مفتوحاً للمساهمة في إيجاد تخصصات جامعية تتوافق مع متطلبات سوق العمل والتنمية الشاملة.
- أن القطاع الخاص في السعودية أثبت بما لا يدع مجالا للشك قدرته على المساهمة في رفع مستوى وتشجيع الفنون من خلال عدد من المؤسسات، ولكنه مدعو اليوم للمساهمة في مشاريع ذات أهمية ودور أعلى فنيا وثقافيا كمشروع الأكاديمية.
- أن الاستثمار في مشروع الأكاديمية سوف يكتب له النجاح الباهر، فإذا أخذنا مجال الفنون التشكيلية وتخصصاتها كمثال، فإن المملكة في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب والبعيد في حاجة إلى جيش كبير من الفنانين المتخصصين في مجالات فنية متعددة، ليحلوا تدريجيا محل إخوانهم المتعاقدين العاملين في مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة. فالمملكة في حاجة إلى الفنانين المتخصصين مثل:
- رسامون للعمل في مؤسسات الصحافة والطباعة والنشر.
- مصممون للعمل في المؤسسات السابقة، ومؤسسات الدعاية والإعلان.
- مهندسون لأعمال الديكور للعمل في محطات التلفزيون، والمسارح المدرسية والجامعية، والمراكز الثقافية، وفي جميع أعمال الديكور العامة والخاصة.
- فنانون ممارسون للعملية الفنية من جيل لآخر عن إدراك علمي وثقافة فنية مكثفة، لضمان استمرار العطاء الفني المميز، ودوره المتنامي ضمن الثقافة المحلية والعربية المعاصرة.
- نقاد ومؤرخون للفن من ذوي الثقافة الواسعة، والثقافة الفنية المتعمقة، للمساهمة في الرقي بمستوى التذوق الفني العام، وتوثيق الأحداث، والنشاطات، والتجارب الفنية وتحليلها من خلال المؤلفات والكتابات الفنية الموضوعية.
وختاما، فإن كانت الأكاديمية خاصة بفنون معينة، أو شاملة للفنون التشكيلية، والفنون المسرحية، والفنون الموسيقية - وهو ما يتمناه الجميع - فهي مطلب حيوي طال انتظاره لحفظ وتأصيل ونشر الفنون والثقافة السعودية على أصول منهجية بناءة. فهل من مستجيب من القطاعين العام أو الخاص ويعلق الجرس هذه المرة؟ ودمتم بسلام.
د. محمد بن صالح الرصيص