إذا كانت ظاهرة المنتديات الأدبية (الصالونات الأدبية) مؤشراً إيجابياً ينم عن عودة المجتمع إلى الاحتفاء بحرفة الأدب والفكر، فإن انتشار المجالس والأمسيات الأدبية الخاصة التي انتشرت في مدننا في العقدين الأخيرين يمثل ظاهرة إيجابية تبشر بخير في ظل تنامي عدد المجالس الأدبية المنزلية في مدننا الرئيسة مثل الرياض وجدة ومكة والمدينة وغيرها.
ولا شك أن هذه المنتديات تؤدي دوراً إيجابياً كبيراً في نشر الأدب والفكر، وترسيخ ثقافة الحوار، وربما يتفوق بعضها على الدور الذي تقوم به المؤسسات الثقافية الرسمية وعلى رأسها الأندية الأدبية، إذ يلحظ ذلك من خلال كثافة الحضور، وتنوع المشارب والخلفيات والأعمار، مقارنة مع حضور الفعاليات الثقافية الرسمية التي يقتصر حضورها عادة على أعداد محدودة من ذوي التخصص، أو من الذين يحضرون لأداء واجب وظيفي، أو مجاملة لزميل، لا برغبة ذاتية دافعها البحث عن الاستفادة العلمية والاستمتاع بالمطارحات الفكرية.
ولعل من عوامل نجاح المنتديات الخاصة في استقطاب الحضور، هو تحررها من القيود الرسمية، والبساطة في الترتيب والإدارة، وبعدها عن ضيق التخصص وجمود المتخصصين؛ مما يرفع الحرج عن غير المتخصصين في الحضور والمشاركة بغض النظر عن مستوياتهم العلمية، ومراتبهم الاجتماعية، أو الدينية.
ومع أن البعض يعلل قيام الكثير من الصالونات (المنتديات) المنزلية بوجود دوافع خاصة لدى أصحاب تلك الصالونات تتمثل في البحث عن الوجاهة أو المكانة الاجتماعية؛ إلاّ أن ذلك لا ينطبق على الكل، فللكثير منهم أهداف نبيلة، ونوايا حسنة، ولا ينبغي إساءة الظن برجال فتحوا بيوتهم، وبذلوا مالهم ووقتهم لاستقبال العلماء والمفكرين والمثقفين، وسعوا إلى استقطاب عشاق الأدب، وتكرموا باحتضان رواد مجالسهم بكل أريحية وكرم.
غير أن ما سأشير إليه في هذه العجالة هو ما يواجهه أصحاب تلك المنتديات من المواقف والصعوبات المتنوعة.
ويأتي في مقدمة تلك المنغصات المزعجة الاحراجات التي يتسبب فيها بعض الثقلاء من مرتادي الصالونات الأدبية المنزلية، سواء بآرائهم الشاطحة، أو بعدم لباقتهم في الحوار والنقاش، مما يثير بعض الزوابع أحياناً، ويعكر صفو اللقاء، ويضع المضيف في حرج كبير.
وتجد الواحد من هؤلاء المرتادين غير المرغوب فيهم يتنقل من صالون إلى صالون، يصل مبكراً ويحتل مكاناً في صدارة الصالون، وإن كان ليس من أهل الصدارة.
ومن أولئك المتطفلين من لا يكتفي بذلك بل إنه يصر على التحدث، بل يريد أن يُعطَى الأولوية في المداخلات والتعليقات، وإن كان لا يملك أهلية المداخلة والتعليق.
وهناك أشخاص من هؤلاء المتطفلين يتواجدون في كل منتدى ويحرصون على الكلام -وإن كان سكوتهم من ذهب- وإذا استلموا مكبر الصوت بدأوا بالحديث عن شخصياتهم، وتضخيم مؤهلاتهم وإنجازاتهم، في محاولة مكشوفة للفت الانتباه لذواتهم، دون حياء من إطراء أنفسهم، ودون خجل من تكرار ذلك بمناسبة ودون مناسبة.
ومن خلال ملاحظة متكررة؛ فقد تأكد لدي أن هذه المنغصات هي أخطر ما يواجه أصحاب المنتديات الثقافية المفتوحة من صعوبات ومعوقات مما يجعل بعضهم يتوقف مجبراً، وبعضهم يغير مواعيد ندوته، أو يحاول دعوة أشخاص معينين بدلاً من الإعلان عن الندوة.
وهكذا يعيق الفارغون كل عمل بناء!!