حديث مجالس الرجال في الأغلب أنها لا تتجاوز ثلاثة مواضيع، الرياضة والسياسة والجنس والتي يرمز لها (SPS)، أما عند النساء فإن شيئاً من التغيير ربما يحدث فيكون التركيز على الموضات، والنيل من الصويحبات، ويبقى الجنس مشتركاً بين الجنسين. وخشية من بنات حواء فمن الحكمة اجتناب الخوض في أحاديث مجالسهن، حتى لا نكتوي بنارهن، ولنقتصر في هذا المقال على الرياضة، لاسيما أن هذا موسمها، ونهاية مطاف أنشطتها لهذا العام.
ومحبو الرياضة كثيرون لهم في مشاهدتها والحديث حولها عشق غريب، كتعلق الحبيب بالحبيب، فتنة لا توصف، وهيام لا يتوقف، يستمتعون بالحديث عنها استمتاع قيس بالحديث عن ليلى، أو عمرو عن هند، أو ابن زيدون عن ولادة. كلما طرح موضوع غيرها أعادوا الكرّة وفتحوا باب النقاش فيها، لا يصرفهم عن الحديث حولها إلا شيء من الحديث في السياسة أو الجنس، لكنها الطاغية ولا شك، والسائدة ولا ريب.
في تلك المجالس أصوات تتداخل ومواقف تتباين، وآراء تتفاوت، وكل فرد ينازع الآخر قناعته، ويحاول ثنيه عن موقفه، غير أن الآخر لا يلين ويقارع الحجة بالحجة، فتعلو الأصوات وتتمازج ويختلط الحابل بالنابل في جدل تصم منه الآذان، وتبح من أجله الحناجر، وترتفع الأيدي بالإشارة والوصف والتعليق. وربما يطرح أكثر من موضوع في مجلس واحد ينبري كل اثنين أو أكثر للحديث حوله، فيتوزع الأصحاب في مجاميع تطرق كل مجموعة موضوعاً بعينه فتتداخل المواضيع وتعلو الأصوات. ومن ليس له ذلك العشق والهيام ويحضر مثل هذه المجالس تراه يراقب أصحابه ويضحك من حماسهم ولا يدخل في جدالهم ويرسم صورة حقيقية لذلك المشهد الشيق.
الركيزة الأساسية التي تغيب عن أذهان أولئك المجادلين أنهم عاشقون هائمون متيمون. والعاشق لا يقول في حبيبته إلا كل مليح، ولا يرى فيها إلا كل جميل، يقاتل من يمسها بسوء، أو يتحدث عنها بمكروه، أو ينقد فيها خلّه أو يصفها بعيب، غير أنه مع أقرانه المحبين لنفس النادي ينقدون كما يشاؤون، ويلومون ولا يستثنون، لكنه نقد المحب للحبيب، ففي النقد للحبيب لذة، وفي النيل منه متعة بشرط أن يكون هو الناقد، وليس فرداً من فريق منافس.
وهؤلاء الهائمون بالرياضة يتركون أعمالهم ويؤجلون مواعيدهم في سبيل الاستمتاع بناديهم المفضل وهو يخوض مباراة هامة ضد فريق منافس، ويسعد سعادة كبيرة ويمتلئ قلبه بالبهجة، وترفل نفسه بالسرور، إذا انتصر فريقهم المحبوب وخصوصاً إذا كان الذي أودع الأهداف نجمهم المفضل. أما إذا لم يحالف الحظ فريقهم انكسرت خواطرهم، وضاقت صدورهم، واكتأبت نفوسهم. وأخذوا يلومون فلانا وفلانا من اللاعبين، ثم يثنّون بالمدرب فيمنحونه نصيباً من اللوم، والمشاركة في الهزيمة، وقد لا يسلم الإداريون وربما الحكم من الملامة. لكنهم يتناسون أن إرادة الله غالبة، وأن الحظ في أحايين كثيرة قد يلعب دوراً كبيراً في تحديد الرابح من الخاسر، غير أنه لا يمكن أن يكون حاضراً في كل المناسبات، فلكل مجتهد نصيب.
ومن الغريب في أولئك المتعلقين تعلق الهائمين، أنهم غير منصفين، يميلون الحق بما تشتهيه أنفسهم وما يناسب موقف ناديهم المفضل، والإنصاف في الجدل تربية ومدافعة للهوى وتغليب للحق سواء في الرياضة أو غيرها، ولهذا فإن موضوع الرياضة والجدال حولها والأندية والحديث عنها، واللاعبين والتميز بينهم، قد يمثل إلى حد كبير ثقافة نفسية للفرد في مسيرته الحياتية، فالباحث عن الحق يقوله رغم مرِّه، ويربي نفسه عليه عندما يتحدث عن الرياضة التي لا يتعلق بالحديث حولها حقوق للآخرين أو إضرار بهم.
المنصف في جدله حول ناديه سيكون منصفاً للآخرين في حقوقهم لأنه قد ربى نفسه على تنبيهها عن غيها حول من يحب، فكيف إذا وقف أمام خصم من خصومه لا تجمعهم ألفة ولا محبة، بل ربما عداوة أو على أقل تقدير عدم محبة.
إن تدريب النفس على الإنصاف والبحث عن الحق حتى على الذات ثقيل على النفس، لكنه عند الله كبير، وعند خلقه غاية العدل والخلق الرفيع، فلماذا لا ندرب أنفسنا على الإنصاف في حياتنا سواء في الرياضة التي لا تؤثر على طرف آخر أو على الحقوق الإدارية والمالية التي ترتبط بالآخرين.