كشفت دراسات تم نشرها مؤخراً (أن المملكة أقل دولة خليجية في نسبة تملك المساكن، حيث يمتلك نحو 22% من المواطنين السعوديين مساكن، في حين تصل النسبة إلى 90% في الإمارات، و86% في الكويت. وتوضح أن 55% من السعوديين لا يستطيعون تملك منازل من دون مساعدة مالية، وأن أكثر من نصفهم يقطنون مساكن مستأجرة). ويعلق أحد المتخصصين على هذه المعلومة بالقول (إن أكثر من 75% في المجتمع من فئة الشباب الأقل من 30 عاماً، الأمر الذي يستدعي التوسع في التمويل العقاري).
وقد استبشرنا خيراً عندما سمعنا أن النية تتجه إلى إقرار نظام (الرهن العقاري)، الذي سيسهل على جهات التمويل إقراض المواطن بغرض تملك مساكن، مقابل رهن العين العقارية للجهة الممولة ريثما يجري سداد القرض. غير أن مجلس الشورى في دورته السابقة، (أعاق) مشروع النظام بحجة أنه لا يتوافق مع الشريعة الإسلامية، حسب ما ذكره لي أحد المطلعين. تسأل: والحل؟ فلا تجد من يجيبك.
الذي يجب أن نضعه أمام أعيننا أن حلول الأمس في مجال تمويل الإسكان لا يمكن أن تتناسب مع الظروف الآن. في الأمس كانت الدولة ممثلة في صندوق التنمية العقاري قادرة على تلبية الطلب على الإسكان، الآن لا يمكن أن تستمر الدولة بإعطاء القروض من دون فوائد كما كان الأمر في الماضي، لتزايد أعداد السكان، وبالتالي الطلب، إضافة إلى أن صندوق التنمية العقاري حسب وضعه الحالي هو (حل) مؤقت، لا يمكن أن يلبي إلى الأبد الطلب المتزايد على الإسكان، خصوصاً أن معدلات الزيادة في أعداد السكان في المملكة هي من أعلى النسب في العالم. الفوائد ضرورة، وهناك -كما هي تجربتنا مع القروض الإسلامية- عدة طرق لتجاوز المحذور، والتماهي مع الشروط الشرعية للإقراض، والوصول إلى التمويل في النتيجة. أن نبقى كما نحن (مكانك تحمد)، ونبالغ في الأخذ بالحيطة، ونسرف في تفعيل قاعدة (سد الذرائع)، معنى ذلك أننا لن نصل إلى حل، ستتفاقم هذه المشكلة، وفي النهاية (سنضطر) إلى إيجاد طريقة (ما) من خلالها نصل إلى التمويل، مثلما حصل لنا مع عقود التأمين، التي كانوا يصرون في الماضي على رفضها، ثم اضطروا إلى إيجاد طريقة شرعية لتشريعها.
متطلبات حياة اليوم، ومواكبة احتياجاتها، تحتاج إلى عقلية (متفتحة)، تقرأ الحالة قراءة واعية، ومعاصرة، وتحاول أن تجد الحل، على افتراض أن الأصل والهدف والغاية وعين مقاصد الشريعة تتمحور حول (مصالح الناس). وكما قلت - وما أزال أقول- لا يمكن أن نخرج من قمقم التخلف إلا بالاستفادة من تجارب الآخرين التي أثبتت نجاحها. أسلوب الرهن العقاري هو الحل (التكافلي) الوحيد المتاح الذي يسهل بالفعل على الشاب (العامل) تملك سكن. وما دام أن هناك من يرى عدم الجواز، وآخرون يرون الإباحة، فالمسألة في التحليل الأخير (خلافية). فلماذا تفرض علينا وجهة النظر المتشددة، ونفوت الفرصة على من يريد أن يأخذ بالجواز.
يجب -في تقديري- إعطاء الفرصة للطرفين، من أراد أن يتملك مسكناً من خلال الرهن العقاري فله الحق، وبالتالي تحميه وتنظم (اقتراضه) الأنظمة، ومن رأى عدم الجواز فلن يأتي من يلزمه بالتعامل مع ما يراه حراماً.
أملنا أن يزف لنا مجلس الشورى في تشكيله الجديد بشرى الموافقة على نظام الرهن العقاري الذي ما زال قيد البحث تحت قبته حتى الآن.
إلى اللقاء.