Al Jazirah NewsPaper Sunday  05/04/2009 G Issue 13338
الأحد 09 ربيع الثاني 1430   العدد  13338
في رعاية الله..إلى رحمة الله
بقلم: خالد المالك

 

لم أكن أعرف أن آخر لقاء جمعني بالفقيد الشيخ منصور العساف منذ أيام قليلة جداً في مدينة الرياض سيكون آخر لقاء فيما بيننا، ولا كان هو أو غيره ممن ضمهم ذلك اللقاء فكّروا أو خطر ببالهم أن ذلك اللقاء سيكون بمثابة الوداع الأخير؛ فقد كان في كامل صحته ونشاطه وحيويته وحضوره الذهني بما لم يطرأ على البال أن أيامه قد باتت معدودة، وأن قدره أن يودع الحياة التي عاشها عنصراً فاعلاً ومؤثراً في كثير من مناشطها وأعمالها؛ حيث تميز بالإخلاص والكفاءة والحس الوطني الذي لا يغيب أو يختفي من ممارساته في الوظيفة وفي الحياة العامة.

***

منذ صغري، ولم أكن قد بلغت من العمر أكثر من عشر سنوات؛ حيث بدايات معرفتي به وإلى أن امتد في العمر إلى ما أنا عليه الآن، ظل (رحمه الله) حاضراً في ذاكرتي برجولته وكرمه وحديثه العذب، وحيث يفرض احترامه بسمو كلمته واعترافه بفضل غيره، مما لا مناص معه من مبادلته التقدير بامتياز، ضمن أصول التعامل الحسن والتواصل المحمود الذي كان - رحمه الله - يرى أن ذلك كله مطلب لا ينبغي أن ينقطع، وهي بعض أبجديات لسلوكه وفهمه وتقديره وحكمته لكثير مما كان يؤمن به ويستلهم منه خطاه في هذه الحياة.

***

كان الشيخ منصور العساف كريماً ومضيافاً، وهكذا عرفته منذ صغري وإلى أن وافاه الأجل المحتوم؛ إذ لا يكاد يمر يوم دون أن يكون على مائدته ضيوف من محافظة الرس ومن خارجها، ولا أعرف أن أحداً زار مدينة الرس وعرف الفقيد بقدومه دون أن لا يتصل به ويدعوه إلى تناول طعام العشاء أو الغداء في منزله، حيث الشعور بالراحة والسعادة التي تبدو على محياه كلما جال بنظره نحو الحضور فتأكد له من عدم خلو أي مقعد في صالة الاستقبال وعلى مائدة الطعام من ضيف أو زائر عزيز عليه سواء كثر عددهم أو قَلّ.

***

لقد كانت وفاته المفاجئة صدمة لكل من عرف (أبو علي) وتعامل معه ورافقه، وخسارة كبيرة سوف يشعر بها كل من كان ذا حاجة أو شفاعة اعتاد أن يجد في الفقيد نعم الداعم والمساند والمساعد، وهو إذ يغيب عنا بابتسامته وطلعته، وبما كان يحمله من حب وتقدير للآخرين، فإنه لن يغيب عنا من حيث المثل والقيم والمروءة والرجولة التي كانت بعض صفاته على مدى سنوات عمره التي تجاوزت الثمانين عاما، وهي أبداً لن تختفي باختفائه عن مسرح الحياة؛ إذ إن أبناءه البررة سوف يحملون مشاعلها ويضيئون بها محطات سيرته العطرة، ويزرعون من خلالها حقولا من الودّ والتعاطف امتداداً لما زرعه وجناه والدهم في سنوات عمره من ثمار شديدة الأهمية لدى أهله وذويه وللآخرين.

***

إني لا أرثي في هذه السطور رجلاً كنت أودُّه من الأعماق، وإن كان يستحق ذلك وأكثر، ولكني أكتب عن بعض خصال رأيتها فيه، وعن صفات كنت أُجلّها في حبيب فقدناه، وهي تبدو الآن أكثر حضوراً أمامي بعد أن تلقيت خبر الصدمة الأولى بدخوله إلى المستشفى في حالة صحية حرجة، ثم الخبر الثاني الذي يمثل الصدمة الثانية الأكثر مرارة وأسى عندما بلغني أنه قد مات، فله منا الدعاء بالجنة والغفران، ولأبنائه وبناته وإخوانه وأخواته وكل أفراد أسرة العساف خالص المواساة والعزاء، وهكذا هي الدنيا محطة نتحرك منها إلى عالمنا الآخر، فهذا ملك الموت يزورنا دون رغبة أو استئذان منا، إنها إرادة الله، وإليه راجعون.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد