لم يكن الموت رغم هوله ولا المرض رغم آلامه ولا الفقر رغم متاعبه لم تكن تلك الثلاث الشدائد القاسيات المروعات على رأس ما يخاف منه بني البشر! ففي استبيان أجري على أكثر من 100 شخص في إحدى الولايات الأمريكية عن أكثر ما يخيفهم ويثير الهلع في نفوسهم، وقد كان متوقعاً أن يأتي الموت والمرض والفقر في المقدمة ولكن النتيجة التي أذهلت الجميع أن الحديث أمام الناس تبوأ قمة المخاوف كأعظم ما يخاف الناس منه! وعندما سئل أحد الذين أجري عليهم الاستفتاء عن سبب وضعه الموت رابعاً والحديث أمام الناس أولاً قال: إنني إذا تحدثت أمام الناس فإنني أموت ألف مرة فأنا أتجرع غصصه في كل لحظات حديثي! أما الموت فمتاعبه لحظية وينتهي بعدها كل شيء!.
نعم إن موضوع الحديث أمام الآخرين من أكثر المشكلات حضوراً وهي مشكلة لم توفر عالماً ولا جاهلاً كبيراً ولا صغيراً ولا كبيراً وهنا أزف بشرى إمكانية التغلب على هذا التحدي فكم من شخص لم يخطر له على بال أن يتحدث أمام عدد يسير ورأيناه الآن قد تصدر المنابر وتقدم الجموع خطيباً ومتحدثاً طليق اللسان تجري البلاغة بين شفتيه لا يهتز له جنان ولا يرتج عليه منفذ، فقط بعد أن قام بما قام به من سبقه من المتحدثين البارعين وطبق وصفاتهم المعينة على كسر الحواجز ونسف العوائق وإليك أيها العزيز تلك بعض القواعد المهمة والقوانين المفيدة التي ستجعل منك بإذن الله متحدثاً متميزاً:
1- تذكر أنك لست وحدك من يخشى الحديث أمام الناس ولست بدعاً من الآخرين، وقديماً أكد تلك الحقيقة الخليفة عبدالملك بن مروان عندما استطار الشيب في رأسه وهو لم يبلغ الأربعين! فبيّن أن صعوده المنابر هو من أشعل البياض في رأسه! والكثير من الخطباء المتمرسين لم يفقدوا مشاعر الخوف من الحديث كلية فهو شعور يزورهم قبل البدء وقد يستمر أثناء البدايات لكنه يزول بالكلية بعد الاسترسال في الحديث. وتلك هي الفاتورة التي يدفعها هؤلاء العظماء لأنهم فرس سبق لا فرس جر.
2- مما اتفق عليه علماء النفس أن السلوك ينطلق من معتقد وبداية التغيير يبدأ من تغيير معتقداتك والبداية هي أن تثق بنفسك وبعدها سيطرأ تغير على سلوكك، ومن الحيل الظريفة التي ينصح بها المدرب المبدع ياسر الحزيمي: أن تبدأ بثقة متخيلاً أن كل واحد من الحضور مدين لك بمبلغ من المال! وكان روزفلت يمارس حيلة عجيبة حيث يقول: كنت أتخيل من أمامي وقد ارتدوا جوارب مشققة أو ثيابا متسخة!
3- من الخطوات الفعالة استخدام تقنية (استنزاف الخوف) وهي تعني تفتيت الخوف والتصدي له وجها لوجه عن طريق الخيال كأن تتحدث متخيلاً أنك أمام جمع وعندها ستكون نجحت في استنزاف قدر من الخوف بالممارسة الخيالية.
4- استخدم إستراتيجية (خطوة الطفل) وهي البدء بخطوات صغيرة نحو التغيير.. ابدأ بالحديث مع الصغار ومع أهلك والمقربين.. تواصل معهم بصرياً (إذا تكلمت فانظر إليهم بنظرة هادئة تشع ثقةً وثباتاً) استرسل بالحديث معهم ولتكن لك هذه بمثابة الخطوة الأولى ولا شك أنها ستعطيك قوة وجرعات من الثقة.
5- تذكر أن من أهم حقوقك هو (أن تخطئ) وهل هناك من البشر من لا يخطئ؟ يقول أحد المفكرين: إذا أردت أن تنجح فعليك بمضاعفة معدلات الفشل! لذا جرب ثم جرب ثم جرب ولا تقنط ولا تيأس وعندها ستتغير أحوالك فماذا يعني لو نسيت شاهداً أو رفعت منصوباً أو ذهلت عن فكرة؟! لا شيء تأكد!
6- خذ الأمر ببساطة، ولا تجعل من فكرة الحديث في أي موضوع قضية (أكون أو لا أكون) فأحياناً يجعل الصمتُ من الإنسان أعظم متحدث! واعلم أن الحديث ليس مطلوباً لذاته والصمت في أحيانٍ كثيرة حكمةٌ وتعقلٌ.
7- توكل على الله واستعد جيداً وعليك بالتحضير المسبق واعلم أن رسم (خريطة ذهنية) مناسبة لمحاور الحديث سيسهل عليك الأمر، وتبقى الخطوة الأولى هي الأهم ومتى ما خطوتها فذلك يعني أننا وصلت!
8- عليك بالمران ثم المران ثم المران.
وستكتشف مثل آلاف الأشخاص قبلك أنه يمكن تحويل الحديث أمام الآخرين إلى متعة بدلاً من كونها محنة بمجرد تكوينك لحصيلة من التجارب الخطابية الناجحة، يقول أحد الخطباء: وددت أن أجلد سبعة سياط على ألا أقف، ثم وددت أن أجلد سبعين سوطاً على ألا أتوقف!! وأخيراً أقدم ولا تخف وتشجع ولا تهاب فما فاز باللذة إلا الجسور وستعرف حينها كم أنت متميز
ومضة قلم
* الخوف من أي محاولة جديدة طريق حتمي للفشل
تنويه
استجابة لرغبة العديد من القراء الكرام ورغبة منا في التطوير والتجديد والإمتاع سنشرع في الأيام القادمة في تقديم دورة مكتوبة شهريا وستكون البداية الجمعة القادمة بإذن الله وبعدها سينتظم موعد الدورة في الجمعة الأولى من كل شهر بإذن الله، علما بأن عنوان الدورة القادمة هو (قوة الهدف) وأسعد بتلقي مشاركاتكم واقتراحاتكم على إيميل الصفحة، سائلا المولى العون والمدد.
***
khalids225@hotmail.com