الرياض - خاص - (الجزيرة)
أكد معالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء على حرمة الدم المسلم، أنه لا يجوز لامرئ أن يسفك دم أخيه المسلم ولا أن يتسبب إلى ذلك بأي نوع من الأذى، محذراً من الفتاوى المخالفة لشرع الله التي تبرر سفك الدماء بغير حق، ولهوى وأغراض في النفس، وقال: إن هذه جريمة شنيعة لا بد من مواجهتها.
جاء ذلك في حوار ل(الجزيرة) مع الشيخ الدكتور سعد الشثري.. وفيما يأتي نصه:
* في السيرة النبوية دروس عاطرة عن الحب والأخوة نفتقدها الآن في ظل التكالب على العيش، نريد إلقاء الضوء على قبس منها؟
- جاء النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثاً من رب العزة والجلال لهداية البشرية لإخراجهم من الضلالة إلى الهدى، لإخراجهم من الشرك إلى التوحيد، لإخراجهم من البدعة إلى السنة، وقد لخّص الله جل وعلا رسالته بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}؛ فهو سبب لرحمة العباد ولخيرهم وصلاح أحوالهم دنيا وآخرة، وكان العرب يتقاتلون فيما بينهم، يستبيح أحدهم دم أخيه ودم من يقابله من القبائل الأخرى، كان أحدهم لا يتورع من أخذ أموال الآخرين، إذا وجد طيقاً لأخذ إبل الآخرين وأموالهم لم يتورع عن ذلك، بل يعتبر ذلك رجولة وشهامة وقوة وقدرة وشجاعة، ويتفاخر به عند العرب إذا جاءت مجالس المفاخر ومنتديات الشعر، فبعث الله نبيه وحالة العرب كذلك، لا يتنزه أحدهم عن سفك الدم أو أخذ المال أو الكلام في الآخرين، فقلب الله جل وعلا أحوال العرب فأصبحوا أهل إيمان وتقوى، وأصبح الواحد منهم يحب أخاه ولو لم يكن قريباً له، يحب أخاه المؤمن ولو لم يكن بينه وبينه علاقة لا تجارية ولا مالية، ولا علاقة نسب ولا غير ذلك من أنواع العلاقات، كانوا بالأمس يتعادون ويتباغضون وأصبحوا بعد بعثة النبي الكريم أخوة يتقربون إلى الله جل وعلا بمحبة بعضهم لبعض، وصف الله جل وعلا حال المؤمنين بقوله: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} وفي الآية الأخرى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. لماذا حصلت هذه الأخوة؟ لأنهم ساندوا دين الله جلا وعلا، فنصرهم الله وأوجد الألفة بين قلوبهم لأنهم تخلوا عن تلك العصبيات وتلك التحزبات وأصبح عندهم جامعة تجمعهم أعلى من شأن الجامعات الأولى، هي جامعة دين الإسلام، هي الجامعة التي يرجون بها الفلاح في الدنيا والآخرة.
* حرمة الدم المسلم التي يستهين بها البعض الآن، كيف عظمها الإسلام؟ وماذا تقولون لمن سولت لهم أنفسهم لارتكاب هذه الجرائم؟
- في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع العرب ليحجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وحجة الوداع قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقرابة ثلاثة أشهر، فتكلّم صلى الله عليه وسلم في تلك الخطبة بكلام يبقى في الأمة إلى قيام الساعة، متى تمسكوا به صلحت أحوالهم واستقامت أمورهم؛ فهي خطبة موجزة وفصيحة وبليغة، ولكنها عظيمة الأثر كثيرة المنافع. كان من تلك المبادئ التي تكلّم بها صلى الله عليه وسلم أن قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومن تلك المبادئ التي تكلم بها في خطبة حجة الوداع أن قال: أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ فقالوا: يوم حرام في بلد حرام في شهر حرام، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، يعني وصلت أعلى درجات التحريم مهما اختلفت الأزمان ومهما اختلفت الأماكن. ما هي هذه المحرمات الثلاث؟ أولها: حرمة الدم، فلا يجوز لامرئ أن يسفك دم أخيه المسلم، ولا أن يتسبب إلى ذلك بأي نوع من أنواع التسبب. وقد جاءت النصوص في التشنيع على فاعل ذلك أعظم التشنيع، يقول الله جل وعلا: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، ويقول جل وعلا: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ويقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}، والنصوص في تشنيع الخطاب على القاتل كثيرة، حتى في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء يوم القيامة جاء المقتول ممسكاً بنسحة القاتل يقول يا ربي سل هذا فيم قتلني؟ فيقول الله عز وجل له: خذ من حسناته ما شئت. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فما ظنكم ماذا سيترك من حسناته)، والعبد يوم القيامة يحتاج إلى جزء معشار الحسنة، فعندما يقال للمقتول: خذ من حسنات القاتل، ما ظنكم هل سيبقى من حسناته شيء؟ وذلك أن القتل يترتب عليه ثلاثة حقوق: حق لله عز وجل يمحوه الله عن صاحبه بالتوبة؛ فمن تاب التوبة الناصحة الصدوق النصوح تاب الله عليه؛ قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}، هذا حق الله عز وجل، الحق الثاني: حق أولياء الدم قرابته من قرابة الميت، فهذا إما أن يستوفى بقصاص وإما أن يعفوا عنه فتعظم أجورهم ويكثر ثوابهم؛ لأن من أعظم الأعمال أجراً وثواباً العفو والمسامحة والنصوص الواردة في العفو كثيرة؛ قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ثم قال بعد ذلك في ثوابهم:{أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من عفا عن ظالمه عوضه الله بأجر من عنده أعظم من الأجر الذي كان له بسبب المظلمة التي وقعت عليه. والحق الثالث الذي على القاتل: حق المقتول فهذا يدخر له إلى يوم القيامة، فإما أن يعفو المقتول يوم القيامة فيكن ذلك من صالح القاتل، فيعوض الله المقتول من عنده حسنات عظيمة، وإما أن يأخذ القاتل من حسنات المقتول ما شاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
* وماذا عن فتاوى القتل وسفك الدماء التي يطلقها من لا علم لهم؟
- إثم القتل لا يتوقف على القاتل بل يستحقه أيضاً المشارك في هذه الجريمة يستحقه أيضاً المتسبب لها فإن بعض الناس يتكلم بكلمة يثير حفيظة غيره فينتج عن ذلك قتل فيكون عليه إثم مماثل لإثم القاتل لأنه المتسبب له.. ومن دعا إلى ضلالة فعليه مثل وزر من عمل تلك الضلالة إلى يوم القيامة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بين صلى الله عليه وسلم: أنه ما من قتيل يقتل إلا وكان على ابني آدم الأول كفل من إثمها، لأنه أول من سن القتل، وهكذا أيضاً ما قد يتكلم به الإنسان فيترتب عليه سفك دماء، إما بسبب فتاوى مضلة ضالة تستباح بها الدماء أو ينازع بها أصحاب الولاية أو نحو ذلك، فمثل هذه الفتاوى مخالفة لشريعة الإسلام مخالفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)، ولذلك يحذر الإنسان من أن ينتج عن فعله هذه الجريمة الشنيعة ومن هنا فإني أحذر الآباء من التفريط وعدم التيقظ بالنسبة للأبناء لئلا يقعوا في أنواع المهالك، فإن بعض الناس قد لا يتحرز على ابنه فيقع في مهلكة، مثال هذا يكون عنده في بيته مسبح فلا يغلق المسبح إغلاقاً جيداً، ومن ثم يأتي بعض الصبية فيقع في ذلك المسبح، فهو متسبب ويخشى عليه الإثم بسبب الإهمال وعدم التيقظ لمثل هذا، وهكذا أيضا في سرعة الإنسان في الطرقات أو في عدم احتياطه لسيارته بحيث تكون بإذن الله جل وعلا بعيدة عن الانقلاب أو الحوادث فإن هذا من أنواع التفريط في الدماء ولذلك على الإنسان أن يحذر من كل فعل ينتج عنه مثل ذلك، وهكذا أيضاً إلقاء الإنسان بنفسه في أنواع المهالك إما في صحراء قاحلة وهو لايعرف الطرقات أو بذهابه إلى مواطن الهلاك أو نحو ذلك، ومما جاء به الشرع في هذا التغليظ على قاتل نفسه والتحذير من شناعة هذه الجريمة، وأنه من قتل نفسه بآلة فإنه يعذب بها يوم القيامة، ومن أنواع ذلك ذهاب الإنسان إلى مواطن القتل بدعوى أنها جهاد بدون أن يسأل علماء الشريعة: هل هذا مما يقرب إلى الله ومما يحبه الله ويرغب به أولا؟
فعندما يكون هناك مواطن وأماكن تكون مجالاً للفتن ولسفك الدماء وليس فيها ولاية شرعية لايصح للإنسان أن يذهب إلى تلك المواطن باسم الجهاد لأن الجهاد شعيرة من شعائر الإسلام لها شروط، وإذا لم توجد تلك الشروط فليس القتال من الجهاد الشرعي في شيء، مثال هذا لو جاءنا إنسان وصلى بدون وضوء، وبدون طهارة وفي وقت غير الوقت المشروع فإننا نقول: إن هذه صلاة باطلة، بل يأثم صاحبها الذي فعلها كيف يصلي بدون وضوء؟ كيف يصلي قبل دخول الوقت؟ هكذا أيضا في بقية شعائر الإسلام كل شعيرة لها شروط، فإذا لم توجد تلك الشروط كانت تلك الشعيرة قد فعلت على غير وجهها المشروع فتكون وبالاً على صاحبها.
ومن ذلك شعيرة الجهاد، فالجهاد نوع من أنواع العبادات الشرعية، لكن لها شروط لايصح للإنسان أن يقدم عليها إلا بالشرط الشرعي، ومن أمثلة هذه الشروط أن المرء يجب عليه الالتزام بالعهود والمواثيق التي عقدها إمامه، فإذا عقد الإمام ميثاقاً ومعاهدة وجب على كل من كان تحت ولايته أن يلتزم بتلك المعاهدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل الحديبية لم يقل الناس: هذا صلح للنبي وحده لايلزم بقية المؤمنين، ولما جاء أبو جندل وأبو بصير وقد احتموا بالمسلمين من أجل أن يحموهم من المشركين الذين يريدون سفك دمائهم ويريدون أن يفتنوهم عن دينهم ومع ذلك ردهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن بيننا وبين القوم ميثاقاً، وحادثة صلح الحديبية واضحة في صلح الحديبية كان النبي صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو يملون الكتاب وكان من بنود الصلح من جاء إلى المدينة من أهل مكة أن يرجع إلى مكة ومن جاء إلى مكة من أهل المدينة فإنه لايرجع، وبينما هم يكتبون الكتاب جاء ابن سهيل بن عمرو هذا واسمه أبو جندل يرفل في الحديد الذي في قدميه قال: الحمد الله الذي أنقذني من المشركين وكان أبوه يعذبه قبل ذلك من أجل أن يعود إلى الكفر والشرك فقال سهيل بن عمرو للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا أول من يقاضيك فيه، قال: إننا لم نفرغ من الصلح بعد، قال: إذاً لا صلح بيننا، قال: أجزه من أجلي، قال: لن أجيزه من أجلك فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع، وقال: لعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً، فالتفت إلى المسلمين وقال: يا أيها المسلمون فإنهم يريدون أن يريدون أن يفتنوني في ديني، لم يخش على ماله ولا على بدنه من التعذيب والضرب وإنما خشي أن يعود إلى الكفر بعد الإسلام، يريدون أن يفتنوني في ديني فتهاملت عيناه، وتهاملت أعين المسلمين، أخوهم المؤمن الموحد يرجع إلى المشركين ليضربوه من أجل أن يردوه إلى الكفر ويحملوه على الردة ويلزموه بترك دين الإسلام، لكن هناك صلحا فالصلح الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم لزم الرعية، ولهذا قال الله جل وعلا-: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، هكذا أيضا من شروط الجهاد: استئذان الإمام فلا يصح لأفراد الناس أن يجاهدوا إلا بإذن منه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام جنة يتقى به ويقاتل من خلفه) وبذلك تستقيم أحوال الناس، فإنه لو جاهد كل إنسان وحده ما استقاموا وما كان لهم نصرة ولاغلبة فالإمام هو الذي يقدر المصالح ويرى مجريات الأحداث فحينئذ من المجريات ما يكون سبباً لصلاح أحوال الأمة.
ومن شروط الجهاد: أن يكون هناك إمامة شرعية تقاتل من أجل إعلاء كلمة الله، أما إذا كانت الأمور ليس فيها ولاية وليس فيها أحد قد رفع راية الإسلام ودين الإسلام، فإنه حينئذ ليس هناك جهاد شرعي.
* أشرتم إلى الوصية الأولى المتعلقة بتحريم الدماء فما هي القاعدة الثانية؟
- الوصية الثانية من النبي صلى الله عليه وسلم والقاعدة الأخرى هي قوله: (وأموالكم عليكم حرام) فالاعتداء على الأموال من شنائع الذنوب ومن كبائر الإثم، والاعتداء على الاموال سبب من أسباب ذهاب حسنات العبد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس يوم القيامة من يأتي ومعه صلاة وصيام وصدقة، فيأتي وقد أخذ مال هذا وضرب هذا وشتم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته حتى إذا لم يبق من حسناته شيء أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في نار جهنم)، والعياذ بالله، ولذلك جاءت الشريعة بالتشنيع على أولئك الذين يأكلون أموال الآخرين بدون وجه شرعي يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}، ومن أنواع الاعتداء على الأموال: السرقة فالسرقة حرام ولا تجوز وكبيرة من كبائر الإثم ومال محرم يجنيه العبد، ولذلك أوجب الله جل وعلا على السارق قطع اليد كما قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
ومن ذلك أخذ الأموال على جهة القوة والغلبة فهو أيضاً نوع من أنواع شنائع الذنوب، وهكذا أيضاً الغش والتدليس في المعاملات كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (من غشنا فليس منا) قاله - صلى الله عليه وسلم -: (في حفنة طعام، حفنة بر عرضها صاحبها في السوق للبيع فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدخل يده فيها فوجد في الأسفل بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، فقال الرجل: يا رسول الله أصابته السماء، يعني المطر، قال أفلا جعلته فوق حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا) يقول جل وعلا: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إذا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ} سيبعث الناس وسيحاسبون على أعمالهم، ومن ذلك أكل المال المحرم.
* وماذا عمن يعتدون على الأموال العامة؟
- من أنواع أكل المال المحرم الاعتداء على الأموال العامة سواء من صاحب الوظيفة بتأخره عن وظيفته أو بأخذه أموالاً وادعائه استحقاقه لها بانتداب أو غيره بدون أن يفعل ذلك فهذا أيضاً من أنواع المحرمات. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما بال أقوام يتغولون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) وحذر - صلى الله عليه وسلم - من الغلو وبين أنه في النار. فقال رجل: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال: وإن كان عوداً من أراك) مسواك، وجاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أيما جسد نبت على سحت فالنار أولى به) وأكل المال الحرام من أعظم أسباب عدم إجابة الدعاء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يا سعد أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} ثم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام قال: فأنى يستجاب لذلك) وخصوصاً إذا كان هذا المال يتعلق بالضعفاء من النساء أو الأطفال الأيتام فإن الإثم في ذلك يعظم يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم) ومن ذلك الاعتداء على المواريث التي تكون للنساء فهذا من شنائع الذنوب فإن الله جل وعلا يقول: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أو كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} ولما ذكر الله جل وعلا آيات المواريث قال: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
إن العذاب المهين لأولئك الذين يأخذون حق غيرهم من المواريث ويعتدون على الشرع بعدم إعطاء صاحب الحق حقه، ومن فضل الله - عز وجل - على العبد ما دام في الدنيا أنه يمكنه التخلص من هذه الأموال بإرجاعها لأصحابها، ومن أنواع الاعتداء في الأموال الاعتداء بالربا بأن يقرض الإنسان غيره بزيادة محددة تزداد بتأخر الأجل فإن هذا من كبائر الذنوب، ولما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - السبع الموبقات ذكر منها قتل النفس التي حرم الله وأكل الربا وأكل مال اليتيم والله جل وعلا يقول: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فإن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} ومن ذا الذي يتحمل حرباً من الله ورسوله.
* وماذا عن الاعتداء على الأعراض؟
- القاعدة الثالثة الواردة في هذا الحديث هي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وأعراضكم عليكم حرام) والمراد بالعرض جانب الإنسان بحيث إنه لا يجوز للآخرين يتكلموا فيه وقد يفهم بعض الناس أن المراد بالعرض هنا الاعتداء على محارم الإنسان ولكن المراد بالحديث أكثر من هذا فإن المراد بالحديث الاعتداء على الآخرين في القول، فعندما تسب غيرك يكون هذا من الاعتداء على العرض، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الربا: (إن أربى الربا استطالة المرء المسلم في عرض أخيه) أي بالكلام وبالغيبة فيه.
والاعتداء على الأعراض أنواع كثيرة منها: الاعتداء بالتكفير فعندما يكفر الإنسان غيره يكون هذا اعتداء على العرض وهو من شنائع الذنوب ومن كبائر المحرمات يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) ويقول: (من قال لأخيه: يا كافر ولم يكن كذلك إلا حار عليه يعني رجع عليه إثم ذلك القول)، وذلك أن التكفير حكم شرعي لا يجوز للإنسان أن يقدم عليه إلا إذا كان ممن خولته بذلك الشريعة من القضاة ونحوهم ولا يجوز لأفراد الناس أن يجعلوا التكفير سلماً لتحقيق أغراضهم أو مجالاً للطعن في غيرهم، فإن هذا من شنائع الذنوب، ومن أنواع الاعتداء على العرض الكلام بالقذف في الآخرين فيتهمه بالفواحش والجرائم الجنسية وهذا من كبائر الذنوب فإن الله وصف القذفة بقوله: {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وأمرنا الله - جل وعلا - بألا نقبل لهم شهادة ووصف الله أولئك القذفة بأنهم فاسقون فعندما يتهم الإنسان غيره في عرضه ويقول: فلان فعل الفعل الفلاني أو أقدم على الفاحشة الفلانية بدون أن يكون هناك مستند شرعي بشهادة أربعة أو بإقرار يكون قد اعتدى ويكون قاذفاً ومن فضل الله - عز وجل - أن جعل القاذف يجلد ثمانين جلدة لئلا يتسارع الناس بقذف بعضهم بعضاً.
ومما يتعلق بتحريم الاعتداء في الأعراض تحريم القدح والسب في الآخرين فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما أفضوا إليه).
ونهى الشرع عن سباب المسلم في مواطن عديدة وهكذا أيضاً جاءت الشريعة بتحريم التكلم بمثالب الآخرين في غيابهم فهذا لا يجوز بل يحرم على العبد أن يذكر عيوب الآخرين التي فيهم حقيقة فإن هذا غيبة والله - عز وجل - يقول: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين حقيقة الغيبة فقال (هي ذكرك أخاك بما يكره)، قالوا: يا رسول الله أرأيت إن كان فيه ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. وبعض الناس يتساهل في هذا تجده يتكلم في الآخرين بمعايبهم ويقول: فلان في اليوم الفلاني فعل كذا وبعضهم قد يتكلم في قرابته، تجده يتكلم عن أبنائه بما فيهم من العيوب والأفعال غير المرغوب فيها عند الآخرين، وهذا نوع من أنواع الغيبة وقد يغفل بعض الناس عن كونه من المحرمات حتى ولو كان ابنك فإنه لا يجوز أن تتكلم بمعايبه، بل إذا وجدت عليه شيئاً فاستدعه وأنصحه تكلم معه وبين له شناعة فعله، أما أن تتكلم بمعايبه وبقبيح أفعاله أمام الآخرين فإن هذا لا يجوز بل هو حرام، ولو كان ابنك ولو كان قريبك ومما يتعلق بهذه الجريمة جريمة الاعتداء على العرض كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أعراضكم عليكم حرام) إن الشريعة طلبت من المؤمن ترك أي قول يحصل به أذية للآخرين، بأي نوع من أنواع الأذى، ولذلك يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} وفي هذا المقام وفي المقام الذي قبله جاءت الشريعة بالترغيب في العفو والصفح عن أولئك الذين زلوا في حقك فقد جاء في قصة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه لما اتهم بعضهم ابنته عائشة بما اتهموها به وتكلم أهل الإفك بما تكلموا به وطعنوا في عرضها ونسبوا إليها فعل الفاحشة، وكان من هؤلاء صحابي قريب لأبي بكر الصديق فهو ابن عمة أبيه وكان هذا الرجل فقيراً قبل ذلك فكان أبو بكر ينفق عليه ويعطيه لأنه كان يتيماً في أول أمره فاستمر على فقره، فلما جاءت حادثة الإفك تكلم هذا الرجل مع من تكلم فلما حصل منه هذا الحديث جلده النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه من القذفة، فقال أبو بكر الصديق أحسن إليه ويتكلم بذلك والله لن أنفق عليه بعد اليوم، فنزل قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، ولا يأتل يعني لا يحلف قال أبو بكر حينئذ: بلى والله نحب أن يعفو الله عنا ثم أمر بإرجاع النفقة على ذلك القريب كما كانت، فأبو بكر الصديق لم يقل والله لاقتلنه ولاضربنه، لأنه فعل ذلك وإنما قال فقط: إحساني السابق سأوقفه ومع ذلك نزلت الآية تنهاه عن ذلك وتأمره بإعادة النفقة والصدقة عليه، ولذلك كان في العفو من الأجر والخير والإحسان ما ليس في غيره، ومن هنا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً) فإن كونك تعفو ليس معناه أنك ذليل أو إنك أقل ممن عفوت عنه، بل العفو دليل على المعزة وعلى المكانة العالية، ويدل على إحسانك إلى غيرك ومن أحسن إلى الآخرين أحسن الله إليه: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}، وإذا كان الله مع العبد فوالله ثم والله ليس عليه مخافة لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة، فإن قال بأنه أساء إلي قيل: إذا أساء إليك فإن الأولى أن تحسن إليه لأنك أنت لا تتعامل معه لأنه فلان بل أنت تتعامل مع رب العزة والجلال الذي بيده أزمة الأمور الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، إذا تقرر هذا فإن العبد يحسن به أن يقابل هذه الإساءة بالإحسان خصوصاً مع القرابة، قال الله جل وعلا: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} وفي الآية الأخرى قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحلم عليهم ويسيئون إلي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لئن كان الأمر كما تقول فكأنما تسفهم المل، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح) من هو ذو الرحم الكاشح يعني المبغض فإذا أبغضك قريبك وأردت أن يحبك الله وأن تحصل على أجر أعظم الصدقات فتصدق على قريبك الذي يبغضك الذي يتكلم فيك الذي يسيء إليك، كيف تقوى نفسي على ذلك؟ يقال: أنت عامل رب العزة والجلال الذي خلقك ورزقك ولا زالت نعمه عليك تترى ،فمن راقب الله وجعل أعماله لله كان الله - عز وجل - مؤيداً له وناصراً له ومعيناً له والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
* البلد الآمن المستقر الذي يطبق شرع الله كيف يواجه من يحاولون العبث بأمنه واستقراره؟
- هذه القاعدة المهمة من أعظم قواعد الشريعة الإسلامية، وزاد : (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ينبغي بنا أن نتذكر هذه القاعدة وأن ننشرها في الأمة، ومن فضل الله علينا - عز وجل - في هذه البلاد المباركة بلاد الحرمين الشريفين ان جعل الناس تزول منهم تلك الحساسيات السابقة، تزول منهم العداوات السابقة والبغضاء السابقة فزال ما يكون بينهم من تشاحن وتعاد واستباحة بعضهم لدماء بعض، وهذه رحمة من الله - عز وجل - بحيث أصبح الناس زملاء وأصبح الناس أخوة، أصبحوا متعاونين على الخير والبر والتقوى.
وينبغي بنا أن نتقرب لله - عز وجل - بالمحافظة على هذا الكيان الذي حصلت به هذه النعم مع نعمٍ أخرى عديدة من تمكن الناس من عبادة ربهم ونعمة رغد العيش والأمن إلى غير ذلك من النعم، ولكن ينبغي لنا بل يجب علينا ان نتقرب إلى الله - عز وجل - بالمحافظة على هذا الكيان بكل ما نستطيعه من أفعال وأسباب، ومن هنا فإن من أراد أن ينخر بأي فعل في هذا الكيان ينبغي أن نقف في وجهه موقفاً صريحاً بلا مواربة فيه ولا مجاملة نتقرب لله - عز وجل - بذلك ولو كان أقرب الأقرباء فإننا بوقوفنا في وجهه نكون ناصحين له، فإنه عندما يريد الشر بالأمة وعندما يريد سفك الدماء وعندما يريد استباحة الأموال ولو كان ابنا وأخا لابد أن نقف في وجهه ولو لم يقف عن فعله وطريقته ومعتقده إلا بإبلاغ الجهات الأمنية لكان ذلك قربة وعبادة لله - عز وجل -، وهكذا ينبغي للإنسان ان يلاحظ ما يدور حوله من أحداث، ومن أفعال فإذا دخل في عمارته لاحظ الأحوال التي بجواره وإذا دخل حيه ووجد حركة مريبة أو وجد فعلا غير مأنوس فإنه حينئذ يتقرب لله - عز وجل - بإبلاغ الجهات المختصة فيقول لهم: لاحظت الفعل الفلاني وهم يتأكدون ويكون من واجبهم ان يفعلوا الأسباب التي تكون طريقا لمعرفة حقيقة الأمر وما يكون خلفه من أسباب ومجريات ولا تبرأ ذمة العبد إلا بإبلاغه عن مثل هذه التصرفات ويعد تيقظه وتحرزه عن مثل هذه الأفعال تقرباً لله - عز وجل -.