شعوري تجاه هذه الأجواء المرتبة مثل شعور الخادمات اللاتي يصيبهن الإحباط حينما تشتد العاصفة الغبارية؛ لأنهن يدركن أن خلف الغبار يوماً طويلاً من العمل والتعب.. هذه الأجواء تذكرنا دائماً أن أرضنا جدباء لا تجلب المطر وسماءنا بخيلة لا تمطر السحب ولو كنا قوما مستغفرين لغفر الله لنا ولكننا ننسى مع دولاب الزمن أن الحسنة بعشرة أمثالها.. وجزاء سيئة، سيئة مثلها... ذنوبنا تتكاثر وصدورنا محشورة بذرات التراب التي لا يغسلها إلا سماء تهتز رعداً وغيوماً، تصب ماء يحيي القلوب من بعد موتها!!!
شبيه هذا الشعور بالحزن الذي يجعل صدورنا ضيقة لا تستوعب النفس، يا رب إن رحمتك أرجى من عملنا، فأرسل السماء علينا مدرارا لنقول الحمد لله الذي أذهب عنا الغبرة.. يا رب إنك غفور شكور..
أيضاً يضاهي هذا الشعور إحساسنا بالقهر ونحن نستجدي الحروف كلمات لتعبر عن دهاليزنا المظلمة وتشرح تفاصيل العذاب الذي يستوطن ذواتنا دون سابق إنذار.. ماذا تبقى من الحروف الأبجدية حتى نصنع منها جملاً فعلية أو اسمية ومطلقاً ولأجله.. ماذا تبقى من أوزان المفعول غير فعلل وفعيل حتى تتمكن من أن تكون جملة بلا شواطئ أو شواطئ مملوءة بالجمل ثم تخرج منها الأسماك لتقول شعراً.. أريد أبجدية لا يقولها إلا أنا ولا يفك رموزها إلا من يراهن الزمن علي!!!
وتأبى إنذاراتهم إلا أن تنبئنا بعواصف قادمة وفي داخلنا عواصف ثكلى تنحت قلوبنا وتثير سعال أحشائنا وتنزفنا حزنا وألما.. من ينبئنا عنها حتى نفر من أعماقنا هربا ونلوذ بالأجواء المتربة فرارا.. إنها أرحم من تيار قادم من بين أضلعنا يعصف بها حتى تعوج وتكون خاوية على عروشها.. مع صرصرة الرياح العاتية التي تحمل معها كل ما يعلق بالقلب ويثير النفس ومع تصافق الأشجار وشح المطر تقف جراحنا جدباء إلا من نزيف ينكأها كلما هبت الرياح على دفاتر ذكرياتنا وقلبتها صفحة صفحة تتقلب معها أنفاسنا التي نجذبها من العمق حد القهر.. لماذا لا تقف الأحداث عند هذا المنعطف لندرك أن بعد الريح يأتي رذاذ المطر.
فوزية ناصر النعيم - عنيزة