الآهة الأولى..
التقت حدقتاها بأضواء الشموع.. لمعت عيناها وكأنها حورية.. صممت على شيء..
غدا سأجعل من الصالون وزوايا العش الصغير فيلما رومانسيا..
سأنثر ما في أعماقي من حب.. وورود.. وذكريات حلوة لطالما ارتسمت في مخيلتي..
سأعيش لحظات حلوة.. دافئة.. سأجدد المشاعر..
وفي المساء حملت طفلاتها.. أودعتهن إلى والدتها.. فزينت المنزل بالورد الجوري
حتى انتشرت رائحة عبق الشوق.. أشعلت الشموع.. وزعتها في الزوايا حتى رسمت
أضواءها لوحة فوتوغرافية جميلة ينتصب في إحدى جوانبها ظل فاتن.. حورية ساحرة
أدار المفتاح وعندما دلف من بابه إذا به يقول.. ما هذا.. أنا لا أحب فوضوية
المكان...!!
حاولت مداعبته.. تمطى.. تثاءب.. قال لها وأجفانه نصف مغلقة.. وهو يهم بالدخول
الى غرفته.. أطفئي الشموع لئلا تحترق.. بسرعة..
نهضت يسكنها الصمت.. والغيظ.. والخيبة.. والتخلص من معالم الجو المفعم
بالرائحة الباردة.. وعندما تلاشى ظلها سمعته يقول..
ما هذه الرائحة السيئة.. أزكمتنا بها!!!
الآهة الثانية: عذرا..
أخذ مكانه بين جموع المسافرين.. وانطلقت نظراته عبر نافذة الطائرة.. والكابتن
يعلن لحظة الارتخاء حيث استقرت الرحلة في السير عبر الفضاء الشاسع..
أخذ نفسا عميقا وفي رأسه لحظات اللقاء.. مخلفا وراءه كتلة تتنفس وتتألم
وتكظم غيظا بالخفاء.. فتح (جواله) واستعرض الوارد ولم يصدق.. ولم يصدق..
فقد قرأ رسالتها..
(أرحل.. تصفح القسمات.. وعندما يكون المطار بضجيجه أشرعة.. ويكون التحليق
مسافات تتقارب فيه الوجوه بلا أقنعة.. فإن مواقف الخذلان لا يمكن أن ترحل من ممرات الذاكرة!!
وعندما تصدمني اللحظة المرة فإني راحلة.. مهاجرة لا محالة.. تصفح الأمل من وجوه العابرين كالمطر المسافر عن مدينة كلها أوجاع تنظر لي كقربان.. أو وقف عليه الصمود مراعاة للوجود، سأغادرك...
نعم سأغادر المكانات التي شهدت مراحل صدمتي.. لحظة انهزامي.. مواقف الخذلان المرة.. القاسية
سأغادر إلى زوايا ليس بها غير (أنا) وأوجاعي بل ولحظات الوعود المتلاشية في عالمي المتضارب المشاعر!
سيكون طيفي بالنسبة لك ذكرى.. ذكرى تتمنى الوصول إليه بعد فوات الأوان!!!
الآهة الثالثة..
أمان...
قالت لي وقطرات دمعها تهطل.. هل تثقين بمن خذلك..؟؟
هل يكون هناك متسع من الآمال بعد الصدمة..
ليس لي رغبة في أي اتجاه؛ فقد علقت الآمال والأحلام وبنيت قصورا من السعادة المفعمة بالثقة.. الثقة اللامتناهية به ومعه.. وفجأة!! اكتشفت بأن حتى مشاعره الرومانسية واعتدال مزاجه.. هدوؤه لا يعيشها معي إلا بعد محادثة من اعتبرته الكنز المادي الثمين.. المادي فقط وتفننت باقتناء أروع الكلمات وبث أكبر المشاعر نحوه كي توهمه بحبها له..
وهي بالحقيقة تتجه لمسار آخر.. والتي تشهد عليها الأوراق الزرقاء!!!
فهل بعد ذلك أمان!!!؟؟؟!
الآهة الرابعة..
تسلل عبر الدهليز الممتد من باب الدار فدلف خفية..
الساعة تشير إلى الثالثة فجرا.. عاد.. عاد بعد أن تشبعت حدقتاه بكل الصور
المقززة.. بكل ألوان العفن الروحي والعقلي..
كانت له نظرات منطلقة.. تائهة.. تعيش وسط النتن المستهدف لعقله ودينه وكل من على شاكلته..
كبرت حجم مشاكله.. حتى بدأ الرباط الروحي.. الشرعي المقدس بالانحلال.. بات الدفء يتحول إلى صقيع.. إلى حالة من التجمد العاطفي..
لمحها.. لمحها تتهجد.. ترفع كفيها إلى الله بأن يغير من حاله إلى حال..
رآها.. تبكي.. ترجو رحمته.. تطلب معونته!
هي تعلم بأن الله لا يخذلها.. وهو يشعر بأن الله يراقبه..!!
الآهة الخامسة..
كانت زيارة مشحونة بالشتات.. حتى الثمالة قد سقيت فيها الرؤوس بالكره..
والغيرة والحقد وأشياء أخرى كانت تسقط في أذنيها فيندفع ساخن الدمع عبر مقلتيها كالطائر..
وقفت بعدما احتدم النقاش وهو يقول لها لن تذهبي معهن وإلا انسى أن لك شقيقا في الوجود، دعيه يجمع صغاره ويمضي.!!!
أدارت قسماتها المحتقنة لتفاجئها قسماته الغضبى وهو يقول:
إن لم تأت فابقي وليكن وجودنا والصغار لمحة من ماض عشته خلال لحظات ولت من حياتك ولن ترينا بعد ذلك.!!!
وقفت موازية لعمود جبسي أبيض استندت عليه وضمت شفتيها وأغمضت عينيها وتفوهت. لو أن ملك الموت يأتي ليصطحبني بعيدا عن عالمكم المضطهد.. المضطرب لكان أفضل..
آهـ؟؟؟
كان الشموخ يملأ أنفسا حتى بدأت رؤوسنا تشق طريقها نحو السماء.. ولم نعلم..
لم نعلم بأن من حولنا يحاول أن يدوس نواعم الورد فينا ويعبث بوريقاتها البيضاء النقية حتى اصفرت وبدأت تذبل..
لم يكن يدور في خلدنا بأن انهزامنا وإحباطنا صادر من أقرب الفروع لنا؟
كانوا يقولون: إنهم الأمان وقد اكتشفنا بأنهم الضيم آن!!!
كل شيء في عالمهم انتقاد.. (لا يجوز)...
كانوا يراقبون شفاه عماتهم.. كانوا يرون فيهم الفضيلة.. اعتزلوا كثيرا من مباهج الحياة وفجأة...!!
كل المحرمات التي كانوا يعتبرونها قيما من خلالهن أصبحت (مباحة) والسبب أنهن استطعن هن فعلها والحصول عليها!!!
كان الحقد.. والحسد.. يتربعان في النفوس كملك أسقام على كرسي..
والسبب الغيرة العمياء حتى لأقرب الناس إليهم.. فاللهم لا اعتراض!!؟
شموع بنت محمد الزويهري