إن مصطلح الهُوِية المراد به هُوية المجتمع أو الدولة من المصطلحات الفكرية الحديثة نسبياً، مما يجعل المجال واسعاً لتعريف الهُوية، فكل مجتمع يتميز بهوية خاصة تشكلها خلفياته الدينية والسياسية والثقافية وما يندرج تحت تلك الأساسيات من تفرعات وتحولات، مثل اللغة، فهي تتبع هذه الهوية، والأدب يتبع هذه الهوية، والفكر الإداري يتبع هذه الهوية، وهكذا. وقد تتعدد مكونات الهوية الاجتماعية، فيتضمن المجتمع تعدداً دينياً أو مذهبياً أو لغوياً، وكلما نجح المجتمع في توحيد هذه المكونات وصهرها في هوية أشمل وأكبر، كان المجتمع أقدر على النهوض والبناء.
ومعرفة خصائص الأمة وجذور تكوينها الاجتماعي مهمة جداً للمخططين في أي مجتمع حديث، وفي هذا الصدد يقول أحد الكتاب السعوديين المتخصصين في الدراسات الاجتماعية: (لا يمكن لمشاريع التنمية في المجتمعات العربية أن تنجح دون فهم أسس أنماط وقيم هذه المجتمعات وتاريخها القريب، ومن ثم توجيه وتوظيف هذه المشاريع وفقاً لذلك الفهم، بمنهجية علمية، وهذا هو التحدي الأكبر في مجتمعاتنا العربية).
فالمجتمع السعودي مثلاً يتميز بهُويته الإسلامية والعربية، فالإسلام يمثل أساس الاعتقاد الديني، ويشكل أساس الفكر والتاريخ المجيد، والعروبة تمثل اللغة والأصالة والعِرق.
فالإسلام الذي هو الأساس في بناء المجتمع السعودي تجاوز سيطرة الهُوية القبلية على المجتمع إلى تكوين الأمة، غير مغفل رابطة الوطن، فبنى مجتمعاً تقوم حياته على التعاون والتكافل والمساواة في الحقوق والواجبات، متجاوزاً الأعراف القبلية أو الإقليمية إلى الهوية الوطنية التي قوامها الإسلام ومادتها العروبة.
ومن أجل تكوين هُوية وطنية فاعلة؛ فإنه ينبغي أن يسعى الجميع إلى أن تكون الرابطة بين فئات المجتمع من بادية وحاضرة مبنية على رابطة الدين الحنيف لأنها تضمن العدل والإنصاف والمساواة، وتسمو بالعلاقات الاجتماعية والإنسانية إلى أعلى رتبها، لتنأى به بعيداً عن الطبقية والاستعلاء، وتمنع التفكك والتشرذم، وتصحح مسار حياة المجتمع المسلم.
وحتى تتحقق هذه الهُوية الاجتماعية السليمة؛ فإنه يجب على كل مواطن أن يستشعر مسؤوليته تجاه وطنه ومجتمعه من خلال نظرة أوسع وأشمل من الحدود الإقليمية أو النوازع القبلية، أو العرقية أو الفئوية، أو غير ذلك من التشكيلات الضيقة.
وهذا لا يتأتى إلاّ إذا وعى كل فرد أهمية دوره في المشاركة الفاعلة في كل مجالات خدمة الوطن، لأنه كلما زاد هذا الوعي وتعمق هذا الحس الوطني زادت فرص تعمق الهوية الوطنية المبنية على انصهار الجميع في مشروع البناء الاجتماعي والوطني الموحد.
كما أن من أسباب نجاح المجتمع في تحقيق البناء والوحدة توسيع دائرة الالتقاء والتفاعل والمشاركة بين فئات المجتمع واحترام كل أطيافه دون تعميق التمايز والتشرذم المبني على العرق أو المذهب أو الدين، وإحلال منطق الحوار مع الآخر والتعامل معه بوصفه جزءاً مؤثراً من المجتمع، بدلاً من الانغلاق والتقوقع وخلق الحواجز الاجتماعية بين الأطياف المختلفة للمجتمع المسلم.
إن أخطر ما يهدد وحدة المجتمع ووحدة الأمة، هو إحياء بذرة التمايز التي يزرعها أفراد يعتقدون أنهم غيورون على إصلاح المجتمع وتصحيح مساره، بينما هم يزيدون من تعميق الفرقة.
وشتان بين الخصوصية الثقافية ووجوب المحافظة عليها، وبين الانغلاق السلبي الذي يتنافى مع مبدأ ديننا الحنيف الذي جعله الله رحمة للعالمين بسماحته ووسطيته وحبه للسلام والإصلاح والبناء والتواصل البناء.
وأخيراً، فإن الدعوة إلى انفتاح المجتمع لا يعني أن ننسى أهمية المحافظة على أساسيات الهُوية الوطنية كالدين واللغة والعادات الحميدة، بل ينبغي التنبه إلى ظاهرة تزايد أعداد المتخلفين والمتسولين، ومراقبة الآثار المستقبلية المحتملة لهذه الظاهرة وخطرها المتعلق بالاختلال السكاني، فضلاً عن مخاطرها السياسية والاجتماعية الأخرى.