يمثل لي المعرض الدولي للكتاب، الذي يُقام سنوياً، في موعد ثابت، أسبوعاً رياضياً بامتياز، حيث أقضي في كل زيارة من ساعتين إلى ثلاث ساعات، أتجول خلالها على مختلف الأجنحة، حتى الأجنحة الفقيرة، التي لا يجلس أمامها سوى صاحبها، لا أحرمها من إطلالتي، ومن البحلقة في معروضاتها الباهتة، لكنني - وجرياً على ساديتي في هكذا مواضع - أذهب دون أن أشتري شيئاً مكتفياً بكلمات التشجيع لحارسها: ما ذنبه، هل يختار الإنسان شكله أو رزقه أو وضعه؟
لكنني - والحق يُقال - استمتعت كثيراً، بمعروضات جناح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد حقق لي عرضه الحي عن السحر والسحرة، معلومات كثيرة كنت افتقدها عن هذه الآفة، التي أخرجناها من جرابها، لنخيف بها من لا يخاف، ولأن النفس أمارة بالسوء، فقد فكرت في استثمار هذه المعلومات التي حصلت عليها من هذا الجناح، في إلحاق الضرر بالعديد من شياطين الإنس، الذين أضروا البلاد والعباد، لكن هل يؤثر السحر في هؤلاء، خصوصاً من يقتلون ويسلحون الناس، في غزة والعراق ودارفور وحتى في غوانتانامو.. أشك في ذلك؟ حين توصلت إلى هذه النتيجة تساءلت: هل هذا الجناح موضوع في المكان المناسب، والوقت المناسب، وللناس المناسبين، قلت لنفسي: أقلب الصفحة، وقد قلبتها، متجهاً لتفقد جناح نادي الرياض الأدبي، الذي يكاد يتشقق من الفرح، على الرغم من ضيق مكان فرحه، ففيه يعرض النادي أحدث إصداراته، وهو يمثل جهد أناس آلوا على أنفسهم أن يقدموا شيئاً، لعله يسهم في جعل نار الإبداع والبحث موقده، في عصر كثر فيه ممتهنو رش المياه على كل خارج على عرف القبيلة، تلك القبيلة التي تئد أولادها وبناتها في المهد، حتى لا يكونوا نواة أو سبباً في أي تغيير يمس ما اعتادوه من وأد!
في المكان الرحب الجيد الإضاءة، قابلت العديد من الوجوه، بعضها مألوف وبعضها جديد، وبعضها كان في الذاكرة فتعدت عليه عاديات الزمن، هؤلاء أتوا من كل فج عميق، بوساطة السيارات والطائرات والقطارات، ليعيشوا هذا الموسم الجديد، موسم الحرف والصوت، موسم العيون التي تراقب وتناصح وتطارد، الكتب وأهل الكتب، كل إنسان جاء إلى هذا المكان لغاية، حقهم، وحقنا أن نمارس ما أتينا من أجله، وما أتيت من أجله، وما أتيت من أجله أخذته، ليس تماماً، لكنني أخذت شيئاً، كتباً ورياضة ورؤية أصدقائه، أصدقاء للكتاب والرياضة والناس والضوء!.
هذا المعرض يؤكد دوماً أن القارئ في هذه البلاد الطاهرة بخير، رجاله ونساؤه وشبابه ومراهقوه، كلهم يحبون القراءة ومتابعة القنوات ومعاشرة الإنترنت، هذه البوادر، كلها صحية، فيها القليل من النتائج والأهداف السيئة، لكن هذا الشيء القليل يغمر في الجيد الكثير، فيصبح مثل الريح التي تخبط في الجبال!
هناك روايات جديدة ل(عبده خال) (اشتريتها من تحت الطاولة) ورواية ل(عبدالله بخيت) - نفدت بعد ساعات - ورواية ل(يوسف المحيميد)، ودراسات ل(علي الشدوي وعبدالله الوشمي وناصر الحجيلان وعبدالله الغذامي ونعيمان عثمان)، دواوين شعر ل(عبدالله الزيد وفاطمة القرني)، كل هذه الأعمال وغيرها كثير تدل على أن سوق الكتاب، عرضاً وإصداراً، بخير وعافية، وهو يحتاج على الدوام، إلى رفع السقف، سقف الرقابة وسقف المصادرة وسقف التوجس، فهذه الشواكيش عدو دائم، للتطلع الحر والنقي!
اشتريت من هذا المعرض عشرات الكتب، ولم أحصل إلا على كتاب واحد هدية، هذه الكتب تتصدرها الروايات والدراسات الاجتماعية وتلك التي تتحدث عن المملكة بصورة خاصة والجزيرة العربية بصورة عامة، فقد وجدت في جناح الإمارات وعمان واليمن العديد من الكتب الجيدة، لكن أكثر الكتب أخذتها من جناح دارة الملك عبدالعزيز، الدارة تقوم الآن بدور كبير، للنشر والبحث عن كل ما يتعلق بتاريخ المملكة وهو دور مهم ومطلوب، وفوق ذلك كتبها تخرج دائماً بشكلٍ راق، وهي زهيدة الثمن قياساً على محتواها ومستوى أسعار الكتاب في دور النشر الأخرى، لقد سبقت الدارة الآن دور النشر المحلية المدعومة من الدولة مثل مكتبة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد ومكتبة الملك فيصل والمكتبات الجامعية.
هذا العام دخلت وزارة الثقافة والإعلام مجال النشر الثقافي، فأخرجت مجموعة من الكتب الجيدة، طباعةً وإخراجاً ومضموناً، بعضها عن رواد من بلادنا وبعضها عن الشعر، وكرمت في المعرض مجموعة من رموز الثقافة والأدب والفكر والتاريخ والجغرافيا، ولعلنا في العام القادم ندشن وزارة الثقافة موزعاً أو ممولاً لتوزيع الكتاب السعودي في الخارج الذي يعاني - هناك - تهميشاً وارتفاعاً في السعر، ولا حل في هكذا حال إلا مساندة الكبار لرقيقي الحال، وليس هناك أكبر في رقة الحال والعواطف مثل المبدعين في كل فنون المعرفة.. كل عام وأنتم بصحبة معارض جديدة وكتب جديدة.. وقيم جديدة.
فاكس : 012054137