بعد غداء دسم دلقت خلفه (جردلا) من اللبن الخاثر ومن ثم نمت نوم السلاحف ورحت أشخر كثور مذبوح، وكنت أضع يدي على (بطني) الذي كان يبدو لي أنه أصبح كبيراً بشكل فاحش، بل ومخجل بالنسبة لي على الأقل وأنا الصعلوك النحيل الذي كان طوال عمره يسخر من أصحاب الكروش لذلك نهضت كمن تلسعه عقرب في الذاكرة واتجهت إلى خزانة الملابس وارتديت بنطلوناً من الجينز وقميصاً مشجراً ثم طويت أكمامه حتى العضل و(نفشت) شعري الكثيف حتى غدا كما سدرة في الصحراء وقررت أن أعود إلى الصعلكة.
***
تذكرت أنني في الخمسين من العمر أو بعد ذلك من (نيّف) السنوات ولكن ذلك لا يهمني على الإطلاق فأنا صحيح الجسد (لا ضغط، لا سكري، ولا أمراض أخرى) وقلت: (الليلة سأعيد حديث الصعاليك) بأي شكل كان.
***
تذكرت صديق دربي الطويل أيام الصعلكة السيد (أبو الهوشات) وقلت له: إنني سأحتاجك الليلة لا محالة إذ مررت عليه وقلت له: هيا معي. قال على ماذا؟!
قلت سأهاوش الليلة كل الأشرار في هذه المدينة الغالية، هل أنت على استعداد لذلك؟
قال: (عصاك اللي ما تعصاك) ثم أردف (صح لسانه): و(يمناك لا عد مناك) ثم هل ثمة (هوشة جاهزة) أم مفترضة؟! قلت له لا سنفتعلها بلا سبب هل أنت مستعد لذلك؟
قال لي: على الخير والشر أنا معك، قلت له لا خير هذه الليلة بل شر مستطير، قال أهلاً بالشّر.
***
ركب معي في السيارة ثم قلت له اسمع يا رعاك الله سنبحث عن خفافيش الليل في الشوارع الخلفية للبطحاء وسنلقنهم درساً قاسياً لن ينسوه، نريد أن نشاجر (الأوباش) يا وبش. أنا مشوق للشجار، لأنني لم أعد أحتمل أن أكون (وجهاً) اجتماعياً معروفاً ليس لديه إلا مجاملات الموت والعرس والمرض، ولبس المشلح المُذّهب السخيف، أريد أن أعود صعلوكاً في هذه الليلة كما يجب. ثم قلت له:
(ليس للصعاليك
واجهات المطارات
أو دعوات السفارات
أو بهرج المرأة الباذخة. (ونكمل لاحقاً).
للصعاليك رقصتهم البربرية
حول اتقاد الغضا
واتساع الفضا
ونظرتهم إلى الشمس
بالجبهة الشامخة).
قلت ذلك لأبي (الهوشات) وقررنا أن نبحث في هذه الليلة عمَّن (نهاوشه) وقلت له: ابحث عن أوباشٍ قسَاه شرسين لكي تستمر المخالعة معهم لوقت طويل فإما أن ننهكهم أو ينهكونا ولكن (دون الموت) ولا بأس أن نتصالح معهم بعد كل ذلك العراك.
***
سار (أبو الهوشات بوجهه المتجهم الفظيع، ثم رأى شلة من الفلبينيين الصلعان، تقدم منهم، ثم صفع أولهم على صلعته، (نكمل في المقال القادم).