منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أعزه الله والناس يتحرون وينتظرون تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء.. وسرُّ ذلك التحري والانتظار أن خادم الحرمين الشريفين وفى بعهده في كلمته الجميلة النبيلة أول لحظة تحمل فيها المسؤولية الكبرى العامة بأن يبذل أقصى ما يقدر عليه الراعي من المسؤولية، والرحمة للأمة، والسعي في تحقيق ما يسعدها ويصلحها ويحفظ أمنها، والتماس ما يرفع عنها الحاجة والبطالة، ودرء الأخطار عن شعبه من الداخل والخارج بالحكمة والسياسة والردع عند الضرورة بما يقتضيه الشرع والمصالح المرسلة.. وساعده على هذا الخير الكثير بعد الله أنه عايش هموم أمته منذ عهد والده الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى أن تولى مقاليد الأمر، وأنه مارس عمله الرسمي قبل توليه مسؤولية الحكم بجد ونشاط وعقل حضاري، وآية ذلك ما وصل إليه الحرس الوطني من عجب مذهل قوة وحضارة، وهو حفظه الله محب للعلم والعلماء: أسس مكتبة الملك عبدالعزيز وقد صدرت عنها مطبوعات، وأثرى مناسبة الجنادرية كل عام بالندوات الثقافية، وفي جلسته الخاصة تطرح مسائل ثقافية وفكرية؛ فتراه مرة منصتا مصغيا، ومرة مستفهما، ومرة مناقشا.. وصادف عند تأسيسه لمكتبة الملك عبدالعزيز أني هممت ببيع مكتبتي لأزمة مالية خنقتني وخشيت بيعها بأبخس الأثمان؛ فالتمست منه حفظه الله أن يقدر ثمنها لمكتبة الملك عبدالعزيز، فأشفق علي من بيع مكتبتي، وحل أزمتي.. رحم الله والديه، وجزاه عني خيرا.. هذا إلى ما جبله الله عليه من خصال الخير؛ فاجتمعت القلوب على محبته، ورفعت إلى الله أكف الضراعة أن يحقق الله ما يسعده ويسعد أمته دنيا وآخرة.. ومن مسؤوليته أدام الله عزه وفق ما يصبو إليه من خير للأمة تنشئة الكوادر البشرية القادرة على تحمل المسؤولية ابتداء بأجيال الأسرة الكريمة من الأبناء والحفدة؛ فإن دولة هذا شأنها مقيمة لحدود الله، منافحة عن دين ربها بالحوار الذكي الورع المنصف مع الغضب لله إذا استغل الطرف الآخر الخضوع للحوار المنصف في الإساءة إلى المسلمين كما نرى من هجوم إعلامي شرس على عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم لا رائحة فيه للبرهان؛ وإنما هو محض العداوة والبغضاء.. ومن الغضب لله المطالبة الدؤوبة بمنطق الحوار نفسه الذي يخضع له المسلمون بالصدق فيما شرع له الحوار؛ فزعماء الدول الكبرى منذ سيطروا على المعمورة أعلنوا الحريات الأربع ومنها حرية الأديان؛ فلماذا يتجاوزون ما شرعوه من العدل بمنطق القوة بإيذاء المسلمين وظلمهم في دينهم وديارهم ومواردهم بينما المسلمون يقيمون حد الله على من سب موسى أو عيسى عليهما السلام؟.. وموقف المسلمين من حرية الأديان معروف منذ عِز الإسلام كتوصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه بأهل الصوامع والبيع، وكدفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الزكاة لمن عجز عن دفع ما يلزمه بمقابل حمايته والوفاء بحقوقه مع بقائه على دينه غير مكدر عليه، وكل هذا اتباع لشرع ربهم تنصيصا أو استنباطا؛ ذلك أن دين الله الناسخ المهيمن إنما يدعو إلى الله بالسلطان البرهاني؛ لهذا دخل الناس في دين الله أفواجا، والمسلمون يتلقون ما عند الآخر بإقامة الحجة، ودفع الشبهة أو المغالطة المتعمدة.. ومن منطق الحوار نفسه الإلحاح في البيان والإيضاح والمطالبة للأمم الداعية للحوار بما شرعته من محاكمة مجرمي الحرب، مع استغلال ذلك في ظلم العرب والمسلمين كما يحصل الآن بحق عمر البشير وهو رئيس دولة من اتهامه بمجرم حرب، ولم يفعل إلا ما يلزمه شرعا ومنطقا من حفظ الأمن، وردع المجرمين المخلين باستقرار شعبه.. مع تغاضي الدول الكبرى عن مجرمي الحرب حقيقة؛ فأي إجرام أعظم من إجرام مسؤولي إسرائيل من إبادة شعب، وتهديم بيوتهم على رؤوسهم، والاستحواذ على الأرض في كل لحظة؛ فبدلا من المطالبة بأبخس حق للعرب والمسلمين وفق (خارطة الطريق) الظالمة استحلت إسرائيل معظم أراضي غزة بعد إبادة ساكنيها - وفيهم الشيوخ والنساء والأطفال، وهم عزل من السلاح، محاصرون عن وصول المدد الإنساني من الدواء والغذاء -.. ولا بد أن يستهدف الحوار موت الضمير العالمي في صمته وعدم تحركه لرد هذه المآسي.. وقل مثل ذلك عما حدث ويحدث في العراق، ومثله تحريك الأقليات في البلاد الآمنة؛ لخلخلة أمنها مع تمتع الأقليات بما هو أكثر من حقوقها.. إن الحوار مع الآخر لا يكون بحمل إيجابيات الحوار على الطرف الآخر، وتنصل الطرف الآخر عما يلزمه من الإيجابيات نفسها.. والعمل السياسي الدؤوب في تحقيق العدل وتخليص الحقوق التي شرع الحوار من أجلها داخل في جمع كلمة زعماء العرب والمسلمين لتخليص الحقوق، ورفع المظالم التي فرقت شملها، وذلك هو مطلب الشعوب؛ فإذا اتحدت أهداف زعماء الأمة بتضامن شعوبها مع الأهداف النبيلة؛ فإنها لا تغلب بموجهة أعظم قوة في المعمورة؛ فديار أمتنا سرة المعمورة، والإستراتيجية المرموقة، والغذاء للحضارة بمواردها الطبيعية، وفيها كل الكوادر البشرية الكافية إذا صلحت النية في إعدادها؛ وحينئذ فلن تهاجر العقول والمواهب من بلادها وعن أمتها؛ لتعمل أجيرة لدى الدول الظالمة لنا طلبا للامتياز المالي الذي يليق بكفاءتها.. وخادم الحرمين الشريفين أمد الله في عمره هو المرشح بمنطق واقعه العملي وأهدافه الراشدة لملء الفراغ المروع في عالمينا العربي والإسلامي، وكم أعز الله الأمة برجل قوي صادق صالح، وكم خذلها بمتسلط مضلل ظالم.. وسر آخر لذلك التوقع والتحري والاستبطاء، وهو يقين الأمة أن خادم الحرمين الشريفين بما أسلفته من مسيرته سيكون الأنصح الأمين في تحري الرجل المناسب للمكان المناسب، وقد وفق أدام الله عزه في اختيار رجل الأمن القوي الحكيم؛ فشكرا شكرا يا خادم الحرمين الشريفين، وجزاك الله عن المسلمين خير الجزاء.. وأما ما ذكرته من التحري من عامة المسلمين وجمهور المثقفين فلم أقله من فراغ، بل كان من عايشته من العامة يدعون لصاحب السمو الملكي الأمير نايف، ويرون فيه صلابة مواقف جنبتهم - بإذن الله، وله الحمد والشكر والمنة - شرورا مروعة من خلايا الإرهاب الانتهازية التي بلينا بها، وكانت فريسة متأسلمين غير صادقين بل كانوا منفذين لأهداف العدو، وفريسة حركيين لم يفهموا دين الله حق فهمه؛ ولهذا كان أكثرهم من صغار السن، وكبارهم ذوو هوى سياسي، وذوو حب تلميع، أو ضحايا من أسلفتهم من الحركيين، ومهد لهم خطباء الفتنة الذين تراجع أكثرهم وبقي على النفاق من في قلبه مرض.. وأما جمهور المثقفين فقد كان من يحضر منهم أحديتي أو إحدى مناسباتي يتحدثون - قبل النشاط المنبري وبعده - ببهجة عقب كل بيان أو تصريح من سموه، ثم رأيت منتهى البهجة والسرور في حديثهم عن كلمة سموه بجريدة عكاظ منذ شهر تقريبا، ثم ما أدلى به في مؤتمر وزراء الداخلية ببيروت مع نجاح المؤتمر، واستقطابه مسؤولي الدول الشقيقة.. بل صرح بعضهم بأن هذا مكسب سياسي لسموه، ولست أنفي هذا المكسب؛ وإنما أعلم علم اليقين أن سموه لا يفعل شيئا متحريا كسبا سياسيا، بل من معايشتي لسموه ستة عشر عاما وجدته رابطا مستقبله بمصير أمته ودولته، ولا هم له بمطامع الدنيا، بل أهدى بيته في حي الزاهر بمكة المكرمة لمدارس البنات على الرغم من شدة حاجته إليه؛ فكان الآن يسكن بمبنى وزارة الداخلية في المناسبات الرسمية، بل أعلم شيئا خفيا عن الجمهور، وهو تنازله عن أرض شاسعة أيام أزمة الأراضي على الرغم من قلة ذات يده، وأعرف حق المعرفة معاناته المالية في مستشفيات فتحها للناس في الخارج، وشدة حياء ورحمة تدفعه لمساعدة المستحقين ووجوه البر من غير سعة، وابتعاث الطلبة على حسابه... وما رأيته في إجازته الأسبوعية وغيرها متمتعا بها تمتع من يريد الراحة بعد جهد، بل يلاحقه الهاتف في الساعات الطويلة، وحقائب المعاملات؛ فهو في عمل دؤوب، وأسأل الله جلت قدرته أن لا يكله إلى نفسه وجهده ومواهبه، وأسأله جلت قدرته أن يلجئه إلجاء - بنية وفعل وقول العبادة - حتى يكون من الصنف الثالث الأخير الذي ذكره ربنا بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} (35-32) سورة فاطر؛ فيكون له من الله ناصر وكفى بالله وكيلا.. ونحن إنما نهنئ أنفسنا بتقلده الهم الكبير، وإنما نهنئه هو بالأجر الجزيل بحول الله وقوته على تحمله هذا العبء مع أعبائه الكبيرة الأخرى باستحضار النية، فإن العمل لمصالح الأمة إذا استحضرت نية الإخلاص لله سبحانه عبادة.. لقد جمع بين الصلابة وشجاعة الموقف مع شدة الرحمة والحلم والصبر والتواضع، وقد ذكرني بسنة كريمة من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ فقد صح عنه أنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال له لشيء فعله: لم فعلت هذا؟.. أو لشيء لم يفعله: لم لم تفعل هذا.. وهكذا رأيت تعامله مع العاملين لديه في بيته وإجازاته فيما يتعلق بتمام خدمته؛ وإنما صلابته فيما يخل بحق الآخرين، أو بحق الرب سبحانه كما لاحظت ذلك فيمن كثر تخلفه عن الصلاة.. وهو لا يغضب لنفسه؛ فقد كان أحد أبنائي السفهاء ممن أثر فيه الإرهابيون مع مرض نفسي بأسباب جناها على نفسه، وقد قال القول الجارح في سموه؛ فلما وجدت ذلك بخطه أبلغت سموه، وأريته الكتابة (وكنت أظن أنه ينزل به أشد العقوبة)؛ فإذا هو يتجاهل ذلك، ويحجز الابن لإجباره على الخضوع للعلاج النفسي حتى تحسن وضعه، ثم أخرجه بغير رغبة مني، وبتواضعه الكريم اتصل بي يشعرني بالغرض النبيل لتوقيفه ولم ينله أدنى أذى، وصفح عن بذاءة ابني في حقه.. وفي أيام خطباء الفتنة صاح شاب بأعلى صوته أمام الناس: (خف من الله يا نايف في الدعاة - يعني خطباء الفتنة-)؛ فدعاه سموه للركوب معه في السيارة إلى البيت مبتسما في وجهه، مدخلا عليه الطمأنينة، ثم حاوره حوارا هادئا يسأل عن مأخذه على سموه، ومدى وجاهة مأخذه عنده، ثم بين له بكل صدق وصراحة وبرهان الأفعال المضرة بالأمة من استغلال حرية التعبير وصرفها إلى التدمير، وان إيقافهم لحمايتهم من أنفسهم، وأنهم يتمتعون بغاية الإكرام وزيارة الأهل ولم يمسهم أدنى أذى.. وعلى الرغم من أن الشاب كان مراهقا فقد قبل جبين سموه، ودعا له، وانصرف راشدا.. والله يعاملني بقصدي أن هذا الثناء الواقعي إنما أردت به استزادة سموه؛ لعلمي بأنه ليس من يغره المديح ولو كان صدقا.. ولقد عامل الله نايفا - فيما يظهر والله أعلم - بحسن مقاصده؛ فكان موفقا مسددا في إجراءاته وتصريحاته وقراراته.. وصرف جهده - من غير تفريط في أمشاج الثقافات الأخرى - إلى نوع علمي عملي هو الفقه الدقيق في شؤون الدولة والشعب، والأناة والقراءة الدقيقة لما يعرض عليه في الحقائب من المعاملات؛ فكان يصيبنا الملل إذا كنا في معية سموه، ونقول: (متى يفرغ من قراءة هذه المعاملة وما بعدها معاملات كثيرة؟).. ونخرج أكثر من مرة لإراقة الماء وهو على انحناءته؛ ولهذا كانت بحمده الله إجراءاته مسددة راشدة.. وساعد على ذلك - بعد توفيق الله - تجربته العريضة في أمور الراعي والرعية؛ ورئاسته أو مشاركته في دراسة وإصدار كل ما يتعلق بعموم إستراتيجيات الدولة والأمة، مع متابعة لا تعرف الملل لما يبث إعلاميا رؤية أو سماعا.. وجلب المعلومات في هذا العصر سهل جدا؛ لكثرة أدوات التوصيل؛ ولهذا أتمنى أن ينبري رجل إعلام خبير محنك؛ ليعوضنا عما في الصحافة والمكتبات من كتب عن ترجمة سموه، وجمع ما قيل فيه من الشعر؛ وذلك بعمل إيجابي يظهر أن ما يقال وينشر عن سموه هو الواقع دون تزلف؛ وذلك هو استجلاب قرارات سموه في الإستراتيجيات العامة، وتصريحاته، ومعالجته للمواقف الصعبة (بثناء، أو بغير ثناء)؛ لأن المهم تبيان النتائج -، وتحليل كل ذلك؛ لإظهار نتائجه.. ولكل رجل فاضل أعداء - وهذه سنة الله في أفضل الخلق من النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، بل حذر الله المؤمنين من عداوة الأقربين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (14) سورة التغابن، ومسؤولنا وبلادنا وشعبنا مستهدفون؛ حسدا على الأمن والرخاء، وبغضا لقيادة إسلامية ذات مركز ديني ومالي؛ فحبذا أن يضاف إلى ذلك تلخيص الزبدة من عداء نراه في مثل الإنترنت ومن المنابر الصهيونية، ومواجهته بالصدق والإنصاف والبرهان؛ فليس في سيرة سموه بحمد الله ما يستحيا منه، بل نزاهته ونظافة جيبه معروفة لدى القاصي والداني.. ومثل ذلك ما يتعلق بمسؤولينا ابتداء بخادم الحرمين الشريفين، ويستعين بعد الله بخبرة من يعرفون سموه عن كثب؛ فكم له من مواقف مشرفة محنكة غير معلنة للجمهور كموقف له ذكرته في الجزء الثاني من كتابي (انفعالات صحفية) ص23 - 24، وثمة موقف آخر تذكرته الآن مع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في تعاطفه مع خطباء الفتنة بإلحاح؛ لأنه حسن النية، صادق العقيدة، وقد لقي ربه رحمه الله قبل أن يرى الآثار السيئة للإرهاب من إهدار للأرواح وتخريب للأموال، ولولا الله ثم صلاة وحكمة دولتنا ورجل أمنها القوي لكان المتوقع ما هو أدهى وأمر؛ فلقد زار سموه سماحته في بيته، وشرح له واقع الحال عن جناية خطباء الفتنة، وما يتوقع من آثارها السيئة، والعدل بل والإحسان في التعامل معهم وحمايتهم من أنفسهم.. ثم ثنى بأن الدولة خادمة للشريعة، وقد حملت مسؤولية البيان الشرعي من استأمنتهم علما وورعا، وأنه بعد هذا الواقع يريد تحميلهم مسؤولية البيان الشرعي ببرهانه المنطبق على الواقع يحدد ما للدولة وما عليها.. وكان موقف سماحته صلبا قاسيا؛ فقال سموه: يا سماحة الشيخ إن بيعتنا وبيعة المسلمين للملك فهد لا لك، وحقك علينا أن نطيعك في بيان الحكم الشرعي ببرهانه بعد فقه في الواقعة؛ فالسيرة العملية لولاة أمر المسلمين في تاريخنا الطويل التناغم بين السياسة والشريعة وعلمائها، والمعادلة بين المصالح والمفاسد، وأيد المشايخ الذين كانوا عند سماحته مصادفة كلام سموه؛ فعاد سماحته إلى الوعد بالنظر، وامتثال ما يحقق المصلحة الكبرى؛ فودعه سموه بعد أن قبل جبين سماحته.
قال أبو عبدالرحمن: مكانتي محفوظة عند سموه؛ فلست بحاجة إلى استجداء بمثل هذه المقالة، ولكن المناسبة اقتضت مني أن أقول ما علمته، والله يحب الصدق، ويحب من جاء به، ويحب من صدق به وأمرنا أن نكون مع الصادقين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}(119) سورة التوبة، ولا يجوز الترفع عن الثناء على المخلوق علنا إذا كان صادقا وقت الحاجة إليه: بيانا للناس، واستزادة خير من الممدوح، وأسأل الله في بقية هذا العمر صدق القول والعمل.. كما أسأله جل وعلا أن يكون سموه على خير أحسن الظن به لدى مليكه وأمته، والله المستعان.