في حياتنا اليومية نقابل الكثيرين الذين يدعون أنهم متعلمون لأصول فن (الإتيكيت)، أو أنهم حسب التعبير الشعبي الشائع (أولاد ناس)، أو حسب التعبير السعودي (عيال نعمة). وهذا الادعاء الكاذب له أساليبه الخاصة من تخصيص درجة من الصوت ترتفع وتنخفض
تبعاً للغة الحوار، والمتحدث إليه، أو من تستمع إليه، وهكذا تنجذب إلى صاحب أو صاحبة الصوت الأذان، وتلتفت العيون.
وحين تقترب من هذا الشخص عن قرب، لا تجده إلا شخصاً لا يعرف عن قواعد (الإتيكيت) الحقيقية أو فن التعامل أي شيء.
والغريب من هؤلاء الناس عند التعامل معهم تجدهم يفتقرون لأدنى درجات المعرفة الإنسانية، وخبرتهم الحياتية ضحلة، ودائماً يكذبون ويقولون عمي فلان رئيس مجلس إدارة شركة كذا، وخالي فلان مدير مركز معلومات كذا، وربما يزيد الشخص الكذاب فيما يقول فيدعي أن من أقربائه من صعد الفضاء، وربما يمتلك صاروخاً وينوي تأجيره لمن يريد كل عام، وينتقل بك حسب خياله من شواطئ الريفيرا ومدن أوروبية زارها، ينتقل بك من لندن إلى باريس، وربما إلى حدود شنجهاي.. سارحاً بخياله وبالمستمع لأقصى الحدود.
مدعو فن (الإتيكيت) هم أفقر الناس أخلاقاً ومعرفة وأقلهم سفراً، وقراءة، وأموراً كثيرة لا يعلمون عنها شيئاً، لكنهم يصرون على الادعاء، وربما يتكبرون، ويكذبون، والغريب أنهم أنفسهم من كثرة ما يرددونه يكونون قد تعودوا على هذا الكذب، فتصبح طريقتهم في الكلام مخصوصة، ومنمقة، لكن كل هذا من الخارج فقط، وبمجرد أن تدخل إلى داخل نفسه، لا تجد إلا هشاشة مركبة يختبئ تحتها جهل وحماقة، وحين يتكلم بحقيقته تتمنى لو أنه سكت.
والمهم أن الذين تعلموا فن (الإتيكيت) أو لهم معارفهم الحقيقية، ومداركهم الواسعة، لا يحتاجون إلى إظهارها والتحدث عنها بكثرة، ويدعون أعمالهم تتحدث نيابة عنهم، وهؤلاء البشر هم الحقيقيون الذين ينتفع بهم المجتمع ومع الأسف أولئك البشر هم القلة أو الصفوة.
بينما البشر المدعون المزيفون تجدهم منتشرين بيننا في كل مكان، وأينما تحول بصرك تجدهم، ولا يردعهم رادع، وكيف يردعهم ونحن كمجتمع فيما بيننا نحترم المظهر الخارجي أكثر من المكنون من علم، نحترم من يتحدث كثيراً عن كثرة أسفاره ونعتبره دائرة معارف تمشي على قدمين، ونحترم من يتحدث عن قريبه الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وحسب المثل المصري القائل (الصلعاء تتباهى بشعر بنت أختها)، فإن كل ما يحيط بنا الآن صار مزيفاً، وكيف لا ونحن أصبحنا في مجتمعاتنا العربية نضحي بالكفاءات بمنتهى السهولة، ولا يعمل أحد على الوقوف أمام هؤلاء المزيفين، ولا نبذهم اجتماعياً، إنهم راسخون بيننا بحلو حديثهم وقوة (واسطتهم)، فينتشر الجهل، ويترسخ هذا الجهل حين يولى الجاهل أمر العلماء، ووقتها تتبدل المعرفة الحقيقية بالمعرفة المزيفة التي لا يصنعها إلا هؤلاء الكذابون مدعو فن (الإتيكيت).
aboelseba2@yahoo.com