لابد لي أن أشير في البدء إلى أنني أنتمي فكريا على الأقل.. إلى شريحة منقرضة أو تكاد تؤمن بأن الوطن العربي أمة واحدة. تاريخ واحد، ومصير واحد، وأن مصدر قوته ينبع من وحدته وتلاحمه.. وأي خلل يطرأ على ذلك يصب في مصلحة أعداء العروبة والإسلام ويهدد الأمن القومي العربي برمته.
|
ولعل ما يجري في العراق ولبنان والسودان والجزائر من إثارة للنعرات الطائفية والعرقية والجهوية والمذهبية كلها أمور تشي بوجود مخطط خفي يهدف إلى تفتيت هذا الجسد المتعب، المثخن الجراح، والقضاء على هويته وثقافته.. وبالتالي تحويله إلى بؤر مشتعلة تؤدي في النهاية إلى ما نخشاه من إعادة رسم الخارطة العربية التي ظلت رغم هشاشتها متماسكة، وقابلة للحياة والتحدي.
|
لقد بقينا ردحا من الزمن أسرى لحلم الوحدة العربية التي (ما يغلبها غلاب) غير أن نظرة عقلانية للمنجز القومي السابق لا تدعو إلى الفخر والانسياق وراء ذلك لا لفجاجة الفكرة ولكن لقصور وعدم نضج آلية البناء الوحدوي التي لم تبن على أسس صحيحة ومتينة وقادرة على البقاء، فالمشكلة في التطبيق لا في الفكرة نفسها، وقد جاء غزو (صدام) للكويت ليقضي على ما تبقى من أحلام تلك المرحلة.. بيد أن ذلك كله لا يعطي المبرر الكافي لنشوء الفكر السياسي المضاد للفكر الوحدوي.. وهو ما نراه قائما اليوم وإن بدا بصور مختلفة في بلدان عربية راحت تغذي هذا المنحى الخطير.. فأشعلت نار الفتنة الطائفية، والمذهبية، والمصالح الضيقة، ونفخت في رماد الجهوية والعرق فأصبحنا نسمع اليوم عن (الزنوجة) و(البربر) و(الكرد) في أجزاء مهمة من الوطن العربي.
|
أسألكم: لمصلحة من يتم (النفخ) في بالون المذهبية البغيض بين السنة والشيعة. ولمصلحة من تغزو الأفكار الأممية الأصولية عقول ناشئة العرب.. بحيث أضحت مصلحة الطائفة تعلو على مصلحة الوطن، وأصبحت الوطنية من المفردات المشبوهة.
|
العروبة ليست دعوة (شوفونية) تقف مقابل الاسلام.. بل هما وجهان لعملة واحدة يتمم كل منهما الآخر.. وليست ضد الأعراق والقوميات الأخرى التي دخلت مخيالنا العروبي من أوسع أبوابه بحيث بات (صلاح الدين) الكردي، و(طارق بن زياد) البربري بطلين عربيين يزينان صفحات تاريخنا العربي. إذن فالعروبة ليست عرقاً بقدر ما هي انتماء أصيل لهذه الأرض، وايمان بوحدتها وقوتها.
|
ترى.. هل يمكنني أن أحلم - كعروبي صغير - بسوق عربية مشتركة، وبمحكمة عربية مهمتها حل النزاعات بين الأشقاء.
|
دعوني أتطاول في حلمي.. فأطالب بجيش عربي موحد يمتلك قدرة الردع لكل متطاول على هذه الأمة المجيدة. لو كنا نملك قدرا معقولا مما سبق أن قلته لما تجرأت إسرائيل أو غيرها من الدول المعروفة على تهديدنا، واستفزازنا من خلال تهديداتها المبطنة.
|
الوحدة العربية قدرنا إذا ما أردنا ان نوجد لأنفسنا مكانا بين الأمم.. فالزمن الحالي زمن التكتلات القطرية لا زمن الدعوات المنفردة.
|
هل يمكننا أن ننطلق من دعوة (فارس العرب) الملك عبدالله في مؤتمر الكويت الأخير لتكون أساسا ومنطلقا لوحدة عربية شامخة مبنية على الشعور بخطورة الوضع الراهن، واستشعارا بأهمية التوحد العربي لمواجهته.
|
قوتنا الحقيقية تكمن في وحدتنا، وتآلفنا.. فهل يتحقق ذلك؟
|
|
(تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا |
وإذا افترقن تكسرت آحادا) |
|