Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/03/2009 G Issue 13331
الأحد 02 ربيع الثاني 1430   العدد  13331
أما بعد
تبيَّنوا قبل أن تجهلوا
عبد الله بن عبد العزيز المعيلي

 

ما أعظم قيم الإسلام وما أروعها، قيم تهدي للحق وتحث عليه، ومن يتفحص صنوف الأزمات والإثارات والإحن التي يحدثها كثير من الناس يتبيَّن له أنها ترجع في مجملها إلى التخلي عن هدي الإسلام وسماحته، والإعراض عن منهجه الذي يقتضي التثبُّت والتبيُّن، وتعمُّد الخروج على سبله الدالة إلى كل خير وفضل.. فالظلم والبغي، والغيبة والنميمة، وأكل أموال الناس بالباطل، والخوض في الأعراض، والكذب والسرقة، والاحتقار والسخرية، والاحتيال والغش، والمكر والخديعة، الإهانة والشتيمة، والبذاءة والسفاهة، الكره والبغض والحقد، الجشع والطمع، الحسد والغيرة، الشك والظن، الكبر والتكبر، القدح والذم، وكل ما يخطر على البال من سوء الفعال، وبغيض الخصال، إنما يرجع لنقص في المعرفة والفهم، أو لابتعاد عن المنهج الرباني القويم في التعامل مع المواقف وتفسيرها.

فالتبيُّن يقتضي التثبُّت في الخبر، وإمهال النفس حتى تعرف الحق، ويعني تحقق صدق القول أو الحدث من كذبه، والتأني في الحكم، وعدم العجلة في اتخاذ موقف.

كثيرون أولئك الذين يتخذون مواقف، ويصدرون أحكاماً ظالمة جزافاً بمجرد تلقي الخبر، أو لتوافق ما يُروى مع ما يختلج في النفس من هواجس، أو مع رغبة كامنة في الانتقام، أو تحقيق مكاسب ومنزلة، أو بقصد الإزاحة والتجاوز.

وحال هؤلاء كحال ذاك النفر من الصحابة الذين مرَّ بهم رجل من بني سليم يرعى غنيمات له، فألقى عليهم السلام، لم يرق لهم ذلك، وقالوا لا يُسلِّم علينا إلا ليتعوذ منا، أو ما سلَّم علينا إلا تقية، فما كان منهم إلا أن قتلوه، وأخذوا غنمه، وساقوها إلى الرسول، فشق ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، بسبب هذا الفعل الشنيع المتعجل، وجاء الوحي ذاماً لهذا الفعل والتعدي، اقرؤوا الآية 94 من سورة النساء.

وإليكم موقفاً آخر، حيث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط، على صدقات بني المصطلق، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله، فحدَّثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فرجع إلى الرسول وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم، وفي رواية لما أبصروه أقبلوا نحوه فهابهم، لإحنة بينه وبينهم، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنهم قد ارتدوا عن الإسلام، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق خالد حتى أتاهم ليلاً، فبعث عيونه، فلما جاؤوا أخبروا خالداً أنهم متمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد ورأى صحة ما ذكروه، فعاد وأخبر النبي، فنزلت الآية 6 من سورة الحجرات.

عجيبة هي أحداث القصتين السالفتين، فقد جمع بينهما قاسم مشترك، زيغ عن الحق واتباع لهوى النفس، وهذا ما يحصل الآن في كثير من المواقف، عجلة مدفوعة بنوازع داخلية، مبعثها هوى أو حقد، أو تعارض في التوجهات، فتسوِّل النفس لصاحبها مسلكاً يتعارض مع مفاهيم نتلوها في القرآن الكريم كلها تحث على التبيُّن والتحقق والتحري قبل الشروع في الفعل، وترتب على مخالفة هذا النهج القويم، أن بعض القائمين على تكوين الرأي العام وتشكيله، ومن هم مظنة الالتزام بهدي الشرع، غرق في أتون أخرجتهم عن الإطار العام لقيم مهماتهم ومسؤولياتهم، وأدبيات عملهم وأخلاقه، ولهذا كثرت أخطاؤهم، وتزعزعت الثقة في ما يقولون وما يفعلون، فليتقوا الله، ويتثبتوا قبل أن يجهلوا.



*Ab-moa@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد