الرياض - محمد بدير
على الرغم من تصريحات العديد من المصرفيين التي تكاد تجمع على أنه في أعقاب الأزمة المالية أصبح يُنظر إلى المصارف الإسلامية كملاذ آمن للسيولة النقدية والوضع المالي السليم، وفي الوقت الذي أصبح يُنظر فيه إلى أن المصارف الإسلامية على أنها الملاذ الآمن ضد تداعيات الأزمات المالية وأنها تملك طوق النجاة المتاح حالياً أمام النظام العالمي للخروج من المخاوف التي تحيط به، تدق العديد من الدراسات المالية نواقيس إنذار أمام المصرفية الإسلامية مؤكدة أنها تأثرت كذلك بتداعيات الأزمة المالية، بل ذهبت بعضها لتؤكد أن المصارف الإسلامية كانت الأكثر تأثراً بالأزمة من البنوك التقليدية. فقد سبق أن دق أنور حسون، نائب الرئيس وموظف ائتمان أول لدى موديز، ناقوس الخطر حول موجودات البنوك الإسلامية، حيث قال (إن قيمة موجودات البنوك الإسلامية العالمية حققت نمواً بنسبة تقارب 27 في المائة في عام 2007م، ومن المنتظر أن تنمو بمعدل يتراوح بين20 و30 في المائة في عام 2008م. وعلى العكس من ذلك من المرجح أن يكون 2009م عاماً صعباً بالنسبة للبنوك الإسلامية، إذ إننا نتوقع أن يتباطأ معدل نمو موجوداتها مجتمعة في حدود 10 إلى 15 في المائة).
وذكرت دراسة حديثة أصدرتها شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية ونشرها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أنه بدراسة عينة لعشرة بنوك ممثلة للبنوك التجارية الخليجية التقليدية والإسلامية اتضح أن الآثار غير المباشرة للأزمة المالية العالمية أثرت على البنوك الإسلامية بشكل أكبر من تأثيرها على البنوك التقليدية، وأكدت الدراسة أن البيانات التي اعتمدت عليها شركة المشورة والراية استندت إلى ما هو مفصح عنه في التقارير المالية المعلن عنها من قبل البنوك الداخلة في العينة المذكورة.
ورغم أن توجه انخفاض الأداء كان عاماً على كل البنوك، إلا أن عينة البنوك الإسلامية كان أداؤها أكثر انخفاضا من أداء عينة البنوك التقليدية وذلك لأسباب عدة، منها أن البنوك الإسلامية تحتفظ بما يصل إلى 20% من موجوداتها على شكل عقارات تأثرت قيمها بانخفاض لأسباب شح السيولة في الأسواق والركود أو التباطؤ الاقتصادي في كثير من البلدان التي تستثمر بها تلك البنوك، وهذا أمر غير موجود في ميزانيات البنوك التقليدية لأن ملكية العقارات في تعاملاتها حتى في التمويل التأجيري تؤول للمقترض ابتداء.
وترى الدراسة أنه وبشكل عام فإن أداء البنوك الخليجية الإسلامية والتقليدية انخفض بناء على نتائج العام 2008م، حيث انخفض هامش صافي الربح من 57% في 2007م ليصل إلى 48% في العام 2008م، وانخفض العائد على حقوق المساهمين من 21% إلى 19% والعائد على الموجودات من 3% إلى 2.5% في حين نمت مخصصات خسائر الائتمان بمعدل 260% في العام 2008 على أساس سنوي وذلك بحسب عينة البنوك التي شملتها الدراسة.
وأضافت أن من الأسباب التي أدت إلى انخفاض أداء البنوك الإسلامية هي عدم وجود أسواق وأدوات كافية لتداول السيولة (ما يعرف بسوق ما بين البنوك) الأمر الذي يضطر البنوك الإسلامية في بعض الأحيان إلى شراء أسهم وأوراق مالية قد تنخفض قيمتها السوقية بين عشية وضحاها كما حصل أخيراً وهو ما يؤدي إلى وجود خسائر في تلك القيم.
كما أن هناك سببا أخيرا وكبيرا اشتركت فيه البنوك الإسلامية مع التقليدية ويتمثل في عدم قدرة المدينين على السداد لاسيما في عمليات التمويل قصيرة الأجل، وهي ظاهرة أصبحت شائعة هذه الأيام الأمر الذي جعل الكثير من تلك البنوك يضع مخصصات خسائر ائتمان بنسب عالية مقارنة بحجم الأصول أو مقارنة بإجمالي الدخل.
وأشار التقرير إلى أن الأسباب أعلاه كانت وراء خطف البنوك التقليدية لبعض من بريق البنوك الإسلامية في العام 2008م مع انخفاض بريق الصناعة المالية بشكل عام. فقد نما إجمالي الدخل من العمليات للبنوك الإسلامية بواقع 12.6% في العام 2008م على أساس سنوي في حين نما الدخل الإجمالي للبنوك التقليدية بواقع 29.4%، كما حصلت مفاجأة على مستوى صافي الدخل للبنوك الإسلامية حيث انخفض معدل نموه بواقع 11% سالباً في الوقت الذي نما فيه صافي الدخل للبنوك التقليدية بواقع 14.8%.
ويشير تحليل الأرقام إلى أن نسبة إجمالي المخصصات إلى إجمالي الموجودات لعينة البنوك التقليدية بلغت 0.5% في العام 2008م وهي منخفضة بشكل ملحوظ عن نظيرتها لعينة البنوك الإسلامية التي بلغت فيها للعام ذاته 1.2%، ومع ذلك بقي العائد على إجمالي الموجودات لعينة البنوك الإسلامية مرتفعاً عنه لعينة البنوك التقليدية وبواقع 3% للأولى و2% للأخيرة في العام 2008م مع العلم أن العائد على إجمالي موجودات البنوك الإسلامية انخفض بشكل ملحوظ في العام 2008م عن العام 2007م الذي كان فيه 4.3%..
وأشارت العديد من الدراسات السابقة إلى أن سبب ارتفاع العائد على موجودات البنوك الإسلامية هو انخفاض كلفة الأموال الخارجية في البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية بالإضافة إلى أن اعتماد البنوك الإسلامية على الأموال الخارجية أقل منه في البنوك التقليدية؛ حيث إن مضاعف إجمالي الموجودات إلى إجمالي حقوق المساهمين في عينة البنوك الإسلامية 6.3 مرة في حين كان هذا المضاعف لعينة البنوك التقليدية 9.6 مرة.
وأوضح التقرير أنه كان لزيادة مخصصات خسائر التمويل والاستثمارات أثر كبير في خفض الأرباح الصافية للبنوك الإسلامية.
ومع هذا الانخفاض الذي أدى إلى انخفاض العائد على موجودات البنوك الإسلامية في العام 2008م عن العام 2007م بالإضافة إلى اتساع الفارق في مضاعف حقوق المساهمين لصالح البنوك التقليدية بين العامين حققت الأخيرة ولأول مرة منذ سنوات عائداً على حقوق مساهميها بلغ 20.2% فاق العائد على حقوق مساهمي البنوك الإسلامية والذي بلغ 19% في العام 2008م.