تلتئم في 2 أبريل قمة العشرين الثانية بلندن بعد خمسة أشهر من قمة واشنطن التي شهدت أول اجتماع على مستوى القادة لهذه المجموعة التي تأسست قبل عشر سنوات،
وإذا كانت واشنطن قدمت الخطوة الأولى فإن لمدينة الضباب وضعا مختلفا.
فإما تشكل البداية الفعلية للعمل الدولي المشترك لحل هذه الأزمة والتصدي لها، وإما سيكون أمام العالم سنوات عجاف أطول؛ فبعد الخطوات التي اتخذت على المستوى الفردي من كل الدول وعلى رأسها أمريكا، وتم ضخ آلاف المليارات فيها تأتي هذه القمة لتضع الصيغة العملية لإيجاد قنوات التعاون ورفع كل الشكوك عن العلاقة التي يفترض أن تكون بين دول تمثل اقتصادياتها ثلاثة أرباع اقتصاد العالم، وذات الرقم من حجم التجارة البينية العالمية مما يعني أن لا مجال لمجرد التفكير حتى بالفشل، وإذا أخذنا الخطوات الفردية نجد أن أمريكا منبع الأزمة سبقت الجميع بمراحل كبيرة ونعني هنا أوروبا تحديدا التي تعتبر خطواتها خجولة قياسا بالبقية، وكأنها تريد إخفاء ما لديها من كوارث أو أنها لم تستوعب حجم الضرر بعد، وهذا يبقى احتمالا غير معقول، أما اليابان والصين فقدمتا الكثير وفق ما أعلن إلى الآن، وتؤكدان على الحاجة لمزيد من ضخ الأموال؛ فاليابان انخفضت صادراتها الخارجية بنسبة 48 بالمائة، وكذلك الصين تعدى التراجع20 بالمائة بينما تتوقع تقارير أن تتراجع التجارة البينية العالمية 9 بالمائة لتبرز مشكلة الحمائية من جديد مما يعني وضع حد سريع لها بهذه القمة، لأنها ستدمر الكثيرين خصوصا البلدان الفقيرة، أو تلك التي تشق طريقها نحو النمو، وهذا ما تحاول القمة معالجته على شقين التصدي لخطوات الحمائية التي تعني تقويضا لمبدأ التجارة العالمية ومنظمتها، وكذلك دعم وهيكلة المؤسسات المالية الدولية عبر رفع نسبة الحصص فيها وتقديم قرابة 500 مليار دولار لتوفير السيولة للبلدان الفقيرة؛ خصوصاً وإلا نهش الجوع جزءا كبيرا من العالم وفاقم من مخاطر قاتلة كانتشار الأمراض، وبالتأكيد سيؤدي لزعزعة استقرار تلك الدول مما يعني أعباء كبيرة على العالم.
كما أن لهذه القمة، إذا ما وفقت بقرارات عملية أن تدفع بعجلة النمو الاقتصادي من خلال طمأنة الأسواق وتسهيل عملية الائتمان بين الدول وانعكاس لخطط الإنقاذ الفردية على المجتمع الدولي وعودة الثقة للمؤسسات المالية، وكذلك الثقة بها وإبعاد شبح الإفلاس عن البنوك الكبرى مما يعني تدفق السيولة للاقتصاد الحقيقي استثماراً واستهلاكا، وبالتالي، إيقاف قطار البطالة الذي تزداد عرباته وحمولته كل يوم.
ومن المهم أيضا النظر إلى أن القمة تعيد توزيع المسؤوليات بين الدول لحماية الاقتصاد العالمي والنهوض به بدلا من تحميل مسؤولية الأزمة على طرف وتبادل الاتهامات مما يلغي أيضا مبدأ التوجيه الذي كانت تقوم به اقتصاديات الغرب على العالم، بل إنها اليوم تشعر بالحاجة لمن يوجهها، وإذا ما انسابت حركة التعاون الدولي من شأنه أن يغير الكثير من قواعد اللعبة على كافة الأصعدة حتى السياسية منها وقبول حقوق الآخرين كمسلمات لا مساومة عليها أو ازدواجية بالتعامل، كما يحصل وحصل بالسابق ويلاحظ بعض ملامحه على الأرض حاليا ببقاع كثيرة من العالم.
كما تنتظر الأسواق المالية بفارغ الصبر قرارات القمة لأنها تعني عودة السيولة لها والاطمئنان للاستثمار مجدداً بدلا من الهروب الجماعي الحاصل الآن؛ فكل شيء معرض لمزيد من الانهيار على مستوى الشركات والمؤسسات سواء مالية أو إنتاجية، وهذا يتطلب رؤى واضحة للمستقبل؛ فالمخاوف اليوم هي من يقود الأسواق بالرغم من كل التريليونات التي ضخت لأنها ستكون عديمة الفائدة إذا ما توقفت الآلات عن الهدير لفقدان الطلب؛ فتجارة السيارات والالكترونيات وغيرها مخنوقة ولا يفصلها عن الموت سوى خطوات، فلابد من إنعاش حقيقي يقوده عودة الثقة والاطمئنان لعودة السلوك الإنفاقي إلى وضعه الطبيعي وبالتالي الانعكاس الحتمي على الأسواق المالية؛ لأن الأرباح ستكون المحفز الرئيس لتجديد الاستثمار بها كما أن تنظيم الوضع المالي العالمي من شأنه أن يكبح سيطرة المؤسسات المالية ويعيدها إلى المربع الصحيح لعملها ودورها المحوري بالنشاط الاقتصادي الدولي ومسح العيوب التي اعترتها وقادها فلتان الرقابة وطمع رؤسائها التنفيذيون أصحاب المكافآت الفلكية والنتائج الكارثية التي وصلنا لها بسبب الطمع لا شيء غيره.
كما يفترض ابتعاد الغرب عن العنجهية والكبر فقبل أيام سمعنا عن نية أوروبا فرض قيود على الصناديق السيادية وهم أحوج ما يكونون للمال، وبالمقابل نرى النقيض في تصرف الدول فرادى بالقيام بزيارات مكوكية لدول كالخليج والصين ممن لديها فوائض مالية ضخمة للاستثمار مجدداً بها وإنقاذ شركاتها فيجب أن يكون هناك توافق بين المعلن والحقيقة السائدة على الأرض، فإن أول بذور الثقة يجب أن تزرعها تلك الدول قبل غيرها.
من المؤكد أن الاجتماع لن يكون عاديا ولا سهلا فاستبقته تصاريح صينية وروسية عن ضرورة استبدال الدولار كاحتياطي للنقد العالمي، وهذا بدوره يقرع طبول الحرب إذا ما تطور مستقبلا لأننا هنا سندخل في مرحلة دق العظم وسحقه بين الكبار، ولن تكون هناك خيارات محددة، بل مفتوحة وسينعكس سلبا على طول فترة الكساد، وبالتالي ستكون العواقب وخيمة بلا شك، ولكن تبقى كل المناورات مشروعة بهذه المرحلة لأن فيها مكاسب إضافية للأقوياء حالياً.
اجتماع قمة العشرين تقع عليه آمال كبيرة وتحرص الدولة المضيفة لإنجاحه؛ لأنه سيكون إذا ما وفق بخطواته الملموسة المتوقَّعة أهم مفاصل القرن الواحد والعشرين ومنعطفاته وسيسجل كنقطة تاريخية صنعت تاريخاً جديداً لمستقبل الاقتصاد العالمي وأطلقت العنان لدور فاعل ومؤثر للاقتصاديات الناشئة التي ربما تكون بعد عقود مقررا ومؤثرا بالساحة الدولية لفرض التوازنات وإلغاء واقع القطب الواحد كما الحال الآن.