يتطلع الكثير من المهتمين بتفاؤل إلى مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء الذي من أهدافه إيجاد محاكم متخصصة، ومنها المحاكم التجارية بدرجاتها المعروفة، لكي يواكب القضاء تطورات العصر، ويتركز التقاضي أمام جهة واحدة بدلاً من تشتيت العمل للجان شبه قضائية ترتبط بأجهزة تنفيذية مختلفة. لكن التحدي يتمثل في توفير القضاة المتخصصين لمواجهة كثرة القضايا التجارية المترتبة على طفرة التعاملات الاقتصادية وتشعبها.
وفي هذا الصدد، لا يتصور منطقياً وعملياً، في القاضي أن يحسم خلاف في نطاق الشركات التجارية دون أن يكون ملماً بنظام الشركات التجارية، أو يفصل في نزاع حول ملكية علامة تجارية دون أن يكون قد درس نظام العلامات التجارية، أو يقرر حكماً يقطع دابر الخصومة حول اسم تجاري دون أن يكون متقناً لنظام الأسماء التجارية... فالقضاء التجاري يعتمد في أحكامه على الأنظمة التجارية التي أصدرها ولي الأمر في الدرجة الأولى، والتي تم التوسع بها بشكل كبير لتغطي فروع العمل التجاري، ولتستجيب لمتطلبات الاتفاقيات الدولية والإقليمية. ويعتمد أيضاً على القواعد العامة في الشريعة الإسلامية في حال عدم وجود نص نظامي خاص. ولمواجهة مشكلة النقص المتوقع في توفير القضاة المتخصصين بهذا المجال، وضمان سير مشروع تطوير القضاء دون عوائق، فقد يكون من العملي جداً، التفكير في استقطاب نخبة من خريجي الأنظمة في الجامعات السعودية، وإخضاعهم لبرنامج تدريبي في معهد القضاء العالي، أو أي جهة متخصصة، بغية تأهيلهم كقضاة متخصصين في المحاكم التجارية الابتدائية التي تتطلب السرعة في نظر القضايا والمنازعات التي تعرض عليها، وإصدار الأوامر التحفظية، والإجراءات الوقتية، انسجاماً مع طبيعة العمل التجاري الذي لا يقبل التأخير. ونعتقد أنه لا يوجد مشكلة بهذا الخصوص، إذا أخذنا بالاعتبار أن معظم أعضاء لجان تسوية المنازعات التجارية القائمة هم من خريجي الأنظمة، وأن برامج كليات الأنظمة تتضمن تدريس القواعد العامة للشريعة الإسلامية التي تطبق على التعاملات المدنية.