قبل أكثر من أسبوعين وعلى صفحات الجزيرة حددنا منطقة الأربعة آلاف كمنعطف خطير جداً فيما يتعلق بسلامة سوق الأسهم السعودي وذكرنا بأن كسر المؤشر لهذا المستوى سيعرض السوق بكامله لخطر الانهيار الشامل حيث نعلم أنه لم يتبق للسوق منذ انحداره وبشكل متسارع خلال الشهور الستة الأخيرة إلا (صفوة) المضاربين ممن يملكون الشجاعة المدعومة بامتيازات (معلوماتية) من هنا وهناك تقيهم شر خسائر محتملة في سوق يموج في بحر متلاطم من الانهيارات المالية لمؤسسات وشركات في أعتى وأقوى الاقتصادات العالمية، رغم ما يتوفر لسوقنا المالية من بيئة اقتصادية (يحسدنا) عليها صديقنا قبل عدونا ولا أظنني أبالغ إن وصفتها بأنها البيئة الأفضل والأكمل على المستوى العالمي بما تتمتع به تلك البيئة من فرص استثمارية واعدة ونظام مصرفي يعتبر الأكثر انضباطاً على مستوى العالم رغم صرامته وصغر حجمه (وقضية الحجم تستحق التفاتة خاصة من قبل معالي المحافظ الجديد لمعالجتها) أضف إلى ذلك ما يتمتع به سوقنا السعودي من قيادة سياسية حكيمة وذات أفق بعيد، كل تلك الميزات الاقتصادية والسياسية جعلت صوت المملكة من ضمن أفضل عشرين صوتاً على مستوى العالم لتصبح المملكة بقيادتها الحكيمة أحد الأركان المهمة في مجموعة العشرين واحد أكثر الفاعلين في معالجة الأزمة المالية العالمية بما تحمله من رؤية اقتصادية تأخذ في اعتبارها بالدرجة الأولى مصلحة الاقتصاد السعودي ومن ثم مصلحة الاقتصاد العالمي والذي يعتبر استقراره من مصلحة الاقتصاد السعودي بحكم الارتباط الوثيق ما بين الاقتصاد السعودي والاقتصاد العالمي، حيث يمثل النفط بمداخيله المالية الكبيرة العصب الرئيس لقطار التنمية السعودية حالياً.
هذه المقدمة القصيرة أعلاه توضح لنا مدى الارتباط القوي بين الاقتصاد السعودي والاقتصاد العالمي شئنا أم أبينا، وعلى النقيض من ذلك تعاني العلاقة التقليدية (القديمة) بين تغيرات الأسعار في أسواق النفط وتفاعل سوق الأسهم السعودي مع تلك التغيرات كرد فعل متوقع ومبرر اقتصاديا من انفصام في شخصيتها منذ انهيار فبراير الشهير في 2006، إن استعادة سوق الأسهم لهذه العلاقة الايجابية القوية هي واحدة من أهم بوادر تصحيح الاعتلالات في سوق الأسهم السعودية.
ويتضح من ذلك أننا بطريقة غير مفهومة جعلنا من سوقنا سوقا (تابعا) لما لا يفترض أن يتبعه وتركنا ما يفترض أن يكون تابعاً له وهو نفطنا الذي نملك قوة كبيرة في تحديد اتجاه أسعاره ونتحكم من خلاله باستقرار الاقتصاد العالمي.
إذن فما بالنا تركنا المؤثر (وهو نفطنا الذي بين أيدينا) وذهبنا للمؤثر عليه (وهو الاقتصاد العالمي الذي بيد غيرنا).
لا أعرف حقيقة من أوصلنا لهذا الربط (غير العادل) في حق سوقنا وجعل منه علاقة يتحدد على أساسها مستقبل سوق الأسهم لدينا في الأجلين القصير والطويل، ومن ثم أصبح سوقنا أسيرا لهذا الربط، حيث كتب عليه أن يتفاعل سلبياً مع أي إعلان سلبي لأي شركة عالمية حتى وإن كانت تقع في أقصى القطب المتجمد الجنوبي.
وسؤالي الآن هل من فكاك من تلك العلاقة ومالسبيل إلى ذلك؟ الإجابة في الحقيقة تحتاج إلى (توجيه) من قبل القيادات الاقتصادية العليا لدينا للتأكيد على أهمية وجود علاقة مباشرة بين ما يجري في أسواق النفط وسوق الأسهم السعودي والتأكيد على أهمية ما يحدث في أسواق النفط وتأثير ذلك على صحة وسلامة و(ازدهار) الاقتصاد السعودي، كما يجب أن يكون هناك نوع من التنسيق والتوازن في التصريحات مع وزارة البترول والثروة المعدنية لتعزيز أهمية ارتباط سوق الأسهم السعودي بما يجري بأسواق النفط بالدرجة الأولى، على أن تأتي المؤثرات الاقتصادية والسياسية الأخرى كأسباب ثانوية.
ألم (يهب) الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي ليدافع بقوة عن دور الدولار كعملة دولية أمام الدعوة التي وجهتها الصين للبحث عن عملة احتياط دولية أخرى بديلة للدولار.
إن تأثير ما يجري في سوق العملات على الدولار هو تأثير مباشر على صحة الاقتصاد الأمريكي والأسواق المالية فيها.
إن ما تضمنته هذا المقالة من رؤية حول تعزيز دور النفط فيما يجري في سوق الأسهم لدينا لا يلغي تماماً دور ما يحدث في الاقتصادات العالمية من ركود اقتصادي يؤدي إلى انكماش في حجم الطلب العالمي على النفط وانعكاس ذلك سلبياً على أداء سوق الأسهم لدينا، ولكني أقول إن هذا هو المنطق في النهاية، ويجب أن يفرض نفسه، وهل كان تصريح معالي وزير البترول المهندس علي النعيمي بعد يومين من نشر مقالتنا حول أهمية عدم كسر مؤشر تأسي لحاجز الأربعة آلاف نقطة حينما أعلن بكل ثقة بأن أوبك قد نجحت في تحديد قاع لسعر النفط وارتفعت أسعار النفط بعد ذلك التصريح لتخترق حاجز الخمسين دولاراً، ألم يكن منطقيا أن نفهم من ذلك وقياساً على (وجود) علاقة مباشرة بين أسعار النفط وسوق الأسهم لدينا بأن ذلك التصريح يعني كذلك وجود قاع لسوق الأسهم السعودي وهو حاجز الأربعة آلاف نقطة، وأن المؤشر سوف لن يخترق ذلك المستوى وفقا لمعطيات المرحلة الحالية، ألم يكن ذلك لو حدث سيعطي سوق الأسهم لدينا مزيداً من الثقة تنعكس على حجم التداولات وقيمها ليتعافى سوق الأسهم كما تتعافى أسواق النفط.
أستاذ العلوم الاقتصادية والمالية بجامعة الملك سعود
alhosaan@gmail.com