يلتقي قادة أكبر 20 اقتصادا في العالم في قمة طارئة بالعاصمة البريطانية لندن في الثاني من نيسان/ أبريل المقبل في وقت تتنامى فيه مشاعر الإحباط والعجز في مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وفي ظل مؤشرات ضعيفة على إمكانية اتفاق الدول الكبرى على
وتشهد قمة مجموعة العشرين في لندن الأسبوع المقبل أول ظهور للرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما على الصعيد العالمي في مناسبة بهذا المستوى، في وقت ظهر فيه التوتر جليا بين واشنطن والاتحاد الأوروبي بشأن الحاجة إلى ضخ المزيد من الأموال الحكومية في شرايين الاقتصاد لتعزيز النمو العالمي. لذلك فإن قادة مجموعة الدول العشرين الذين سيجتمعون بأحد المراكز التجارية الجديدة على ضفاف نهر التايمز يواجهون ضغوطا قوية من أجل التوصل لاتفاق حول إستراتيجية منسقة ومناسبة لإخراج الاقتصاد العالمي من أسوأ أزمة يتعرض لها منذ الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت نفسه تفادي الوقوع في فخ الحمائية التجارية. كان البنك الدولي ذكر مؤخرا أن 17 من بين دول مجموعة العشرين بدأت فرض قيود تجارية من أجل حماية صناعاتها المتعثرة. وتثير هذه العوامل كافة الشكوك في قدرة قمة لندن على الخروج بمقترحات ملموسة متفق عليها من أجل الوصول إلى ما أطلق عليه رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون مضيف القمة اسم (العقد العالمي الجديد) نسبة إلى (العقد الجديد) الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت لإخراج الاقتصاد الأمريكي من أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين. وتضم مجموعة العشرين إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا كل من كندا وفرنسا وألمانيا وإندونيسيا والصين والأرجنتين وكوريا الجنوبية والسعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والهند واليابان والبرازيل وإيطاليا وروسيا وكوريا الجنوبية والمكسيك إلى جانب جمهورية التشيك كونها الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي.
ورغم الاتفاق على نطاق واسع على ضرورة تشديد القواعد المنظمة للقطاع المالي العالمي وزيادة التمويل المتاح للمؤسسات المالية الدولية وبخاصة صندوق النقد الدولي، تعارض أوروبا ضخ المزيد من الأموال العامة في الأسواق مما يعرقل إمكانية اتفاق القمة على خطة لزيادة الإنفاق العام لحفز النمو الاقتصادي. ويقول كارستن ريزسكي المحلل الاقتصادي في مجموعة (آي.إن.جي) المصرفية (سيجدون حلا عالميا لنظام إدارة القطاع المالي لكنني أشك كثيرا في إمكانية توصلهم لاتفاق بشأن مزيد من إجراءات التحفيز الاقتصادي). بالإضافة إلى ذلك، ستكون قمة لندن أول اختبار كبير للقدرات الدبلوماسية للرئيس الأمريكي.
فقد طرحت إدارته سلسلة من الخطط الرامية إلى تنظيم القطاع المالي على المدى الطويل وتقليل تأثير أي انهيارات مستقبلية على الاقتصاد العالمي إلى أدنى مستوى ممكن وذلك قبل انعقاد قمة لندن. ويضغط أوباما من أجل تحرك قوي جماعي من جانب كل الدول لإقالة الاقتصاد العالمي من عثرته. وفي الوقت نفسه، تؤكد كافة المؤشرات أن الاقتصاد لم يصل بعد إلى نهاية الانحدار بدءا من البيانات الاقتصادية الكارثية إلى انهيار طلبات الشراء لدى الشركات وخفض تكاليف الزفاف في الهند وتسريح آلاف العمال من المناجم في جنوب إفريقيا وتدهور الطلب على السلع في أسواق العالم. ورغم ذلك، لا تبدو الأزمة المالية التي شكلت جوهر الأزمة الاقتصادية، في طريقها إلى النهاية قريبا. فأسواق الائتمان مازالت راكدة والبنوك الكبرى مازالت تواجه خطر الإفلاس والدول النامية مازالت تعاني من خروج المستثمرين الأجانب.
وأعلن صندوق النقد الدولي مؤخرا أيضا توقعات شديدة التشاؤم بشأن الاقتصاد العالمي الذي ينتظر أن يسجل انكماشا بمعدل 1% من إجمالي الناتج المحلي وهو الانكماش الأول منذ الحرب العالمية الثانية. وحذر الصندوق من اشتداد حدة الركود الاقتصادي واستمراره إذا لم تتمكن الحكومات من إيجاد طريقة لاستعادة استقرار النظام المالي. ومن أخطر التهديدات الاقتصادية التي تعقد قمة العشرين في ظلها تنامي الغضب الشعبي من جشع مسؤولي البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية الذين يحصلون على مكافآت بملايين الدولارات في حين تضخ الحكومة أموال دافعي الضرائب في هذه البنوك والمؤسسات لإنقاذها من الإفلاس. وستكون قمة لندن هي الثانية في تاريخ المجموعة الذي يمتد لعشر سنوات تقريبا.
كانت القمة الأولى عقدت في واشنطن في تشرين ثان/ نوفمبر الماضي عندما أدت الأزمة المالية إلى انهيار سوق التمويل العقاري في الولايات المتحدة. ورغم أن التصور الأولي لقمة لندن كان يتعلق بصياغة قواعد لتحقيق أهداف طويلة المدى فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية منذ تشرين ثان/نوفمبر الماضي جعلت التركيز يتجه مرة أخرى إلى الإجراءات قصيرة المدى المطلوبة لإنعاش الاقتصاد كما حدث في قمة واشنطن.
انطلقت مجموعة الدول العشرين الكبرى كمنتدى لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في أكبر 20 دولة في العالم من حيث حجم الاقتصاد عام 1999 لمناقشة القضايا الرئيسية للاقتصاد العالمي خلال تجمع يضم الدول الصناعية المتقدمة والدول الصاعدة. استضافت ألمانيا أول اجتماع لهذه المجموعة في كانون أول/ ديسمبر 1999 حيث تقاسم رئاسة الجلسات وزيرا مالية ألمانيا وكندا. ورغم مرور 10 سنوات على انطلاق المجموعة، فهي ما زالت منتدى غير رسمي لتشجيع المناقشات الحرة والبناءة بين الدول الصناعية والدول الصاعدة بشأن كل ما يتعلق باستقرار الاقتصاد العالمي.
وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة لتفرض على قادة دول المجموعة عقد أول قمة لهم في الولايات المتحدة في تشرين ثان/ نوفمبر الماضي. وبعد نحو ستة أشهر تأتي القمة الثانية في لندن رغم أن عقدا كاملا مر منذ انطلاقها لم يشهد لها اجتماعا على مستوى القمة.