عندما يرى المرء ابتسامة وفرحة من حوله، عندما يسمع كلمات الثناء العفوية الصادقة التي يرسلها في لحظة من الزمن غافية نكرة من الناس بلا تكلف ولا مداهنة، عندما يلحظ المراقبون المنصفون التغير الذي تحقق على أرض الواقع والقفزات التي صارت في زمن قياسي فيرسلون رسائل الشكر والتقدير ولو بعد حين، عندما يكون كل هذا أو حتى بعض منه، تشرق النفس، وينسى الإنسان التعب، ويرحل عنه الهم والعنت، وتبتسم الحياة في وجهه، ويتفاءل بغد أفضل، بل بصدق يفخر بنفسه وبمن معه ومن حوله من المخلصين الأوفياء، ويجزم على مواصلة المسير وتخطي العقبات مهما كانت، وربما أعاد شريط المعاناة ليقرأ الأحداث بعين جديدة، ويحلل المواقف بنفسية مختلفة، ويتنفس الصُعداء وهو يقول بكل ثقة وطمأنينة: نعم كانت المرحلة صعبة وكانت العقبة كأداء وكان أعداء النجاح الرافضون للتغيير القابعون في خنادق الفشل كثراً، ولكنني (أنا لها).. أنا لها بعد توفيق الله وعونه ثم دعم ومؤازرة ولي الأمر وصاحب القرار، أنا لها ليس لأنني أنا البطل المرتقب والفارس المنتظر بل لأن المرحلة توجب أن يكون منا من ينبري لينذر نفسه من أجل الجيل وفي سبيل الوطن، هنا تصير تلك الأحزان والأوجاع مجرد ذكريات عابرة، وربما التقط صاحبنا العزيز من وسط الركام مواقف وحكايات رائعة ولذيذة عرف فيها معادن الرجال وخبر فيها تقلب الليالي والأيام وعلم فن مكابدة صروف الدهر ومقارعة الأحزان، هكذا هي قصص الناجحين؛ فدروبهم ليست وروداً ورياحين، ومن حولهم جزماً ليسوا ملائكة ولا حتى رجالاً صالحين، الناجحون من الرجال والنساء في أي درب من دروب الحياة هم بشر مثلنا تماماً، ولكنهم يملكون العزيمة ولديهم القوة والإصرار، لا يتعصبون لما يقولون ولا يعتدون بما يعتقدون بل يشاورون ويسألون ومن ثم يعزمون وهم متوكلون على الله. والوصول إلى القمة وإضافة الاسم في سجل الناجحين المتميزين والمواطنين المخلصين أمر سهل لمن كان على أريكته يلوك الحروف قبل أن يتلعثم بالكلمات وتعجزه الجمل والعبارات قبل أن يعيه العمل المنتج والفعل الحسن، يحلل المواقف ويحكم على الأشخاص من منظوره هو وحسب بوصلته الداخلية التي تحركها الأهواء الغائرة والنزوات العارضة والمصالح الجائرة والرغبات الذاتية الفاجرة التي لا تصدم حتى النهاية بل تُصرفها كل يوم هبائب الرياح وتؤثر عليها تغيرات الأجواء، إلا أنه - أي الوصول للقمة و... - بحق أصعب بكثير مما نعتقد أو نظن لمن هو في الميدان يصارع ويواجه الخطوب والحتوف، يواجه التحديات والمصاعب والعقبات التي لا يتصورها البعض، وقد يرحل المرء من كرسيه بل من الحياة كلها وقد أبلى وجاهد وكان ينتظر الثمرة ليقطفها، والثناء ليتراقص فرحاً بنشوة الظفر، وإذ هي لغيره تذهب، وربما حفيده من يتذوقها.. كان هذا الإنسان أو ذاك ينتظر الثناء والشكر ممن أخلص لهم وعمل من أجلهم ولكن (ليته سكت)، هو لم يكن يعتقد أنه يلعب دور البطولة، ولا يظن نفسه أنه يتقمص شخصية المنقذ في معركة العطاء ولكن يستشعر أن في عنقه أمانه وجاء ليؤدي رسالة، هذا هو باختصار، وهذه هي قصته بإيجاز، أما تفصيلها وأين كانت ومتى وكيف فهي حكاية طويلة ستقرؤها الأجيال واقعاً معاشاً بإذن الله، لا يهم أين كانت الأرض التي شهدت حياة البطل ولا أين كان يقف، ولا من الذي كتب السيناريو ولا من أخرج العمل الواقعي الرائع ولا من هم خلف الكواليس أو حتى على منصة التتويج، ولا يهم أي الفصول كان درامياً وأيها كان مأساوياً، المهم كيف ستكون النهاية!! المهم الفائدة التي ستتحقق على أرض الواقع المعاش، المهم أن تبتسم الحياة ليبتسم الأحياء، وأتمنى أن يصفق الناس في الأخير، أقصد أن يصفق العقلاء الذين لا يصفقون بسهولة ولا يخدعهم السراب ولا يغريهم البريق، أما الغوغاء الذين هم في زمرة الغاوين تائهين خلف الشعراء (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) فهم سرعان ما يضيع تصفيقهم وسط الزحام، هم يختفون أصلاً حين تغيب الشمس وتشرق الحقائق ليرى المبصرون معالم الطريق الطويل ومواطن الإبداع الجميل ومكامن العطاء الذي به يتحقق البناء وتتقدم الأمم والشعوب، هم يضجون حتى نعتقد أنهم كثر ولكنهم غثاء، لا تكترث بهم كثيراً فالزمن كفيل بإسقاطهم، صوتهم سيختفي عما قريب، وامضِ بسم الله وعلى بركة الله، ولشخصك الكريم فائق التحية وجزيل التقدير والسلام.