Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/03/2009 G Issue 13326
الثلاثاء 27 ربيع الأول 1430   العدد  13326

دفق قلم
طريق الجنوب وجبل شدا
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

شبكة الطرق التي تربط بين مناطق المملكة والمترامية الأطراف شرايين تضخ دماء الحركة والحياة والتواصل بين الناس، وهي شبكة متميزِّة لأنها قربت المسافات البعيدة، ووطَّأت -بإذن الله- أكناف الجبال الشامخة، واخترقت كثبان الرمال الزاحفة.

كنت قبل أيام مسافراً من جدة إلى الطائف برفقة شقيقي وبعض الأقارب، وحينما تجاوزنا مدينة الطائف باتجاه الباحة استقبلنا طريقاً سريعاً فسيحاً تحققت به آمال أهل المناطق الجنوبية الذين عانوا زمناً طويلاً من ضيق الطريق، وما ينتج عنه من حوادث سير مزعجة ذهب ضحيتها آلاف البشر.

طريق سريع يفتح أمام المسافر أبواب الراحة، ويختصر له المسافات، ويوفر له الوقت والجهد، ولربما كان سبباً في عودة كثير من الأسر التي هاجرت إلى المدن الرئيسية في المرحلة الماضية، إلى قراها وواحتها التي كادت تخلو من ساكنيها.

لقد كانت زيارة خادم الحرمين الأخيرة إلى المنطقة مباركة موفقة، فقد أصدر أوامره -جزاه الله خيراً- بضرورة إنجاز هذا الطريق المهم الذي يخدم آلاف القرى وعشرات الآلاف من الأسر، وعدداً كبيراً من المناطق الحيوية المهمة في سلسلة جبال السروات، وبدأ العمل بعد زيارته مباشرة، وها هو ذا الطريق الصعب يتحول إلى مركبٍ سهل، وإلى مطية ذلول، تمدُّ متنها فلا تجد في ركضها الجميل عِوجاً ولا هملجة ولا اضطرابا.

تذكرت وأنا أستمتع بسهولة طريق الجنوب، ويسره, واتساعه، وامتداده الجميل تلك المعاناة الكبيرة التي عاشها آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا في سنوات خلت، وهم يسلكون هذا المسلك فلا يجدون إلا وعورة وصعوبة، وعناءً ومشقة، وسفراً مرهقاً يتحقق به معنى (السفر قطعة من العذاب).

تذكرت فرحة القرية بعودة مسافريها، واستقبالها لهم استقبالاً جماعياً حافلاً لأنهم عادوا من سفر يغلب على قاصديه الهلاك، ولأنهم حينما ودَّعوا أهل قريتهم حين سفرهم ودَّعوهم، وداعاً حاراً يكاد يكون هو الوداع الأخير.. وتذكرت تلك الأخبار العجيبة الجديدة الماتعة التي يرويها العائدون من السفر وكأنهم قادمون من كواكب أخرى.

أما الآن فلم تعد هنالك أخبار جديدة على الإنسان المعاصر الذي يعرف أخبار العالم دقيقة بدقيقة وساعة بساعة، حتى إن الساكن على قمة جبل نائية في الباحة أو أبها أوجازان أو غيرها من مناطق الجنوب يطلع كل ساعة على أخبار أمريكا وأوروبا وإفريقيا فضلاً عن العالم العربي والإسلامي وكأنه واحد من أهل تلك البلاد.

إنها لنقلة كبيرة تقارب فيها الزمن فأصبح النوم في وطن، وقهوة الصباح في وطن أماجبل (شدا) فما أدراكم ما جبل شدا، جبل شامخ في منطقة تهامة قريباً من المخواة وقِلوة، يطل بهامته الشامخة على قمم جبال السراة، وقد كان مرتقى هذا الجبل صعباً جداً، شبيها بالمستحيل، ,كانت أخبار الذين يصعدون إلى قمته فيما مضىمن أغرب الأخبار وأكثرها إمتاعاً، وقد حظي هذا الجبل من العناية بمثل ما حظيت به جبال السراة، فتضافرت جهود أهله على فتح طرقٍ إلى قمته، تسهل على أهله ما عِسُر، وتلين لهم من صخوره ما قسا، وتم فتح طريق (مسفلت) ولكنه شبيه بخيوط سوداء ملتوية في جذع شجرة شامخة سامقة، هوطريق -بلا شك- ولكنه واقف أمامك، يستنفر همتك، ويستثير عزيمتك، ويدفعك إلى الجرأة في قيادة سيارتك حتى تتمكن من تسلُقه بها لتصل إلى قمته.

(جبل شدا) كان رائعاً، جميلاً، مثيراً، ويكفي دليلاً على روعته وإثارته أننا حينما صعدنا إلى قمته الأدنى، رأينا قمته الأعلى تلف على رأسها عصابة سواء داكنة من السحاب.

نعم، فقد رأينا كيف تلبس الجبال الشاهقة عمائم الغيوم، فترسم لوحةً من أجمل لوحات الطبيعة الحالمة، فسبحان الخالق العظيم.

إشارة:

وشَدَا ينضب من قامته

مَعْلَماً ترنو إليه العقبة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد