Al Jazirah NewsPaper Tuesday  24/03/2009 G Issue 13326
الثلاثاء 27 ربيع الأول 1430   العدد  13326
سوق سوداء تجتاح بيوتنا!
د. خالد محمد الخضر

 

انتشرت في الآونة الأخيرة سوق سوداء للخدم والسائقين، وعلى وجه الخصوص في أوقات الذروة كشهر رمضان وقرب الامتحانات النهائية وإجازات الأعياد القصيرة، ومرد ذلك كله إلى الآلية التي يتم بها استقدام تلك الفئة؛ فعلى سبيل المثال نجد أنه في شهر رمضان المبارك يتراوح مرتب الشغالة التي ستعمل لديك في المنزل بشكل مؤقت بين 1500 و2000 ريال، وتصل الأرقام إلى أكثر من ذلك كلما زادت الشروط من قبل المستفيد وكذلك الإمكانات والمهارات التي تتمتع بها تلك الشغالة أو ذلك السائق؛ وبالتالي لا يجد رب المنزل بداً من الإذعان لمثل هذه المبالغات بسبب ضغط زوجة أو معطيات حالة، وتستغرب أحياناً أن هناك أشخاصاً يتاجرون بتلك الشغالات ويسوقونهن بشكل منظم عن طريق توزيع الأرقام للعائلات، وهم لديهم العدد الكافي من العاملات للعمل لدى العائلات المحتاجة، وقد نما إلى علمي أن هناك امرأة اتصلت بصديق لي وأخبرته بأن لديها كثيراً من الشغالات والطباخات الماهرات، وأنه ليس على ذلك الصديق إلا الإشارة وتقديم طلبه لتلك المرأة لتلبي له بغيته، ولكن عليه أن يعطيها الوقت المحدد للاحتياج إلى تلك الشغالة أو هذه الطباخة الماهرة!!

منتهى الاستغراب والعجب كيف لامرأة أن تدير هذا العدد من الشغالات والطباخات بشكل غير نظامي؟! من أين لها هذا؟! وهناك بعض الأسر تجد العراقيل كافة لاستقدام شغالة أو سائق؟! ولا تأتي تلك الشغالة أو السائق إلا بشق الأنفس وتقبيل الأيادي في بعض الأحيان!! هل لتلك المرأة واسطة؟! هل هي تتفق مع بعض العائلات الذين يتنازلون عن شغالاتهم لأوقات محددة بغية الكسب؟! هل تدير عصابة من المنتفعين من هذه السوق السوداء؟! كل هذه الاحتمالات وغيرها جائزة وواردة ومحتملة الوقوع في ظل انتشار السوق السوداء واقتصاديات الظل؛ وبهذه الطريقة العجيبة يثار الكثير من التساؤلات، أهمها: ما الدافع وراء انتشار تلك العمليات القابعة في الظل؟! هل هو النظام أم الحاجة أم البطء في استقدام العمالة أم الاحتياج المؤقت الذي يفرض ضرورة محددة بزمن محدد ثم لا يلبث أن ينتهي بانتهاء السبب أم عدم وجود شركة مساهمة تنظم تلك العملية الاستقدامية، وخصوصاً للعمالة المنزلية والسائقين؟! هناك بيوت تحتاج إلى أكثر من شغالة ولا يسمح لها إلا بشغالة واحدة أو اثنتين على أعلى تقدير متكئين في مبرراتهم على عدم المنح بحجم الأسرة العددي مغفلين بذلك نوع المنزل ومساحته واحتياج رب الأسرة وطبيعة مهنته وعمله وظروف الزوجة أو الزوج بغض النظر عن العدد الفعلي لتلك الأسرة، سواء كان اثنين أو عشرة؛ فقد نجد أسرة مكونة من أكثر من عشرة أشخاص ومع ذلك لا يحتاجون إلا إلى عاملة واحدة بينما هناك بعض الأسر الذين لا يتجاوزون أربعة أو خمسة نجدهم يحتاجون إلى أكثر من شغالة وطباخة وما إلى ذلك!!

آمل البحث في ذلك، وقد كتبت في أكثر من مقال عن الحاجة الملحة إلى إنشاء شركة مساهمة منظّمة تقوم بالإشراف على استقدام العمالة المنزلية والسائقين وعمل الآلية الضامنة لتحقيق المصالح المشتركة بين الشركة والمستفيد من السائق أو الشغالة؛ أي المصلحة المشتركة التي تحقق رضاء الطرفين بشكل يؤدي بدوره إلى بناء علاقة تخدم الطرفين، وأن تكون الأنظمة حازمة في المسائل الأمنية من تنقل الشغالات والطباخات بين المنازل، وأن يكون هناك عقد واضح يحدد لطرفي العقد الحقوق والواجبات وكذلك للطرف الثالث وهو الشخص محل العقد كالسائق أو الشغالة بحيث يكون هناك توازن يخدم أطراف العقد الثلاثة: الشركة والعامل والمستفيد. في كثير من الأحايين تقوم بالانتظار أكثر من شهرين أو ثلاثة بانتظار السائق أو الشغالة ثم تُفاجأ بعد أسبوع أو أسبوعين بأن هذا السائق أو تلك الشغالة هرب إلى السفارة أو إلى أي مكان يستطيع من خلاله الاختفاء والبعد عن عين الرقيب!! وبعدها تأتي سلسلة من الإجراءات المطلوبة لمتابعة ذلك الأمر من بلاغات ومتابعات وجُهد نفسي وبدني!! ولكم أن تتصوروا انتظاراً يفوق الـ90 يوماً ثم يعقبه هروب (وهي ظاهرة منتشرة وتتزايد يوماً بعد آخر) يلقي بظلاله عليك في المتابعة والجهد والالتزام المادي والنفسي والبدني!! ثم تبدأ رحلة تقبيل الأيادي وعبارات الاستجداء والمناداة وطلب الغوث من أصحاب مكاتب الاستقدام، فإما أن يمنوا عليك ويأتوا بالبديل بعد ثلاثة أشهر أخرى!! وإما عليك عوض الله ثم الخسارة فالخسارة والبدء من جديد!! ثم تبدأ سلسلة المشاكل والأعباء المالية، وليس عليك إلا رفع أكف الضراعة إلى الله أن يحيطك بعنايته!!

من مشاكل الشغالات والسائقين التكاليف والاستنزاف المالي الذي تعانيه الأسر السعودية المضطرة إلى استجلاب تلك الشغالة وذلك السائق، وهي بالحجم الذي يستحق العناية والدراسة والتحليل من المسؤولين في وزارة العمل!! ونتمنى ألا تسفر تلك النتائج والدراسة من قبل الوزارة عن منع أو استقدام الشغالات أو الإحاطة بمزيد من العراقيل والحواجز على استقدام تلك الفئة، بل نأمل أن تكون هناك دراسة سريعة وحل جذري يقوم على تكوين شركة مساهمة منظمة تُطرح في اكتتاب عام, يتشكل أعضاء مجلس إدارتها من رجال الأعمال والعارفين بسوق العمالة!! وأن يكون هناك تنظيم احترافي يسد الثغرات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية لننعم بحياة هانئة وهادئة!!

كاتب سعودي


Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد