إن عوامل كثيرة اصطلحت على إهمال لغتنا العربية.. ولعلي لا أحيط بتلك العوامل كلها في هذه الزاوية.. وقد أعود من خلال وقفات استنهض فيها الغُيُر على لغتنا، لغة كتابنا العزيز والسنة النبوية المطهرة.. ومن المفارقات أن نرى ما يشبه الحماسة لدى غيرنا من الأمم تسعى جاهدة لبقاء لغاتها وحمايتها من الاندثار حين أدركوا أن تراجعاً يحيق بلغاتها، وهم قادرون على انتشارها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..!
* غير أني حين ألتفت إلى حالنا مع لغتنا لا أجد بواعث نطمئن إليها إذا كنا مهتمين في الحفاظ على لغتنا ونحن في مهد العرب، موقع لغتنا عبر أحقاب التاريخ، من قبل بزوغ فجر الرسالة الهادية الخاتمة.. وإذا كان التقادم تتآكل فيه اللغات بعد ازدهارها قروناً طوالاً إلا أن أمتنا العربية قادرة بإذن الله على حماية لغتنا من الذوبان، ولاسيما إذا وعينا أن انتشار الدين الإسلامي في مختلف بقاع الأرض اليوم في توسع وانتشار في الشرق وفي الغرب، فهذا دافع محفز يجعلنا نجد بكل قدراتنا المادية والمعنوية للإبقاء على لغتنا متنامية مع الأيام، بعيداً عن تراجعها القهقرى، لأنا قصرنا إلى حد الإهمال في حمايتها بكل ما أوتينا من قوة.. لكن الحقيقة المرة أننا أهملنا لغتنا إلى حد التفريط الذي يجعلنا أمام مساءلة نقف أمامها في خجل يديننا لأنا فرطنا بإرادتنا، ونحن واعون ومدركون لفداحة إهمال نحاسب عليه أمام التاريخ، وقبل ذلك أمام أنفسنا يوم نستيقظ بعد سبات طويل، ولعل سؤالاً يبدر أمامنا لا نستطيع أن نجيب عليه لأننا غير قادرين على مجابهة الحقيقة المرة، ذلك أنه لا عذر لنا، فنحن في حال: تقصير القادرين كما قال المتنبي..
* وإنها لحسرة علينا من اتهام ومقاضاة تنهض بها لغتنا لتحاكمنا عبر الأيام، ويومئذ لاينفع المقصرين معذرتهم لأنهم بلا حجة! والمتهم الأول أجهزة التعليم بكل فصائلها، وفي الدرجة الأولى قيادة التعليم في قمته تجادلها الملايين الستة اليوم أو أكثر من هذا الرقم.. في التعليم العام الذي هو أساس اللغة وغيرها من الدروس.!
* ووزارة التربية والتعليم هي المسؤولة في الدرجة الأولى في الحفاظ على اللغة العربية وما قيمة تعليم مفاتيحه الأساس لاتفتح أبوابه، هذه اللغة أولاً وثانياً وعاشراً؟
وكيف ينهض تعليم أجنحته بلا ريش أو قواعد؟ والإصلاح ليس مستحيلاً إذا صح العزم، وكان حاملو هذه الأمانة أكفاء مختارين، وليس جواز السفر بأيديهم شهادات لاتسمن ولا تغني من جوع، وإنما الأصل قدرات، كما كانت في الأجيال الماضية نماذج لا تعرف الجامعة، ولكنها كانت تعرف الجامع الذي تتعبد وتتعلم فيه.. وأمامي قول رئيسة فنلندا ففي قناة الجزيرة في العام الماضي إن بلادها لا تملك بترولاً، ولكنها فيها تعليم أتاح لها أن ترقى، ونصحتنا الرئيسة بأننا إذا أردنا الارتقاء بحياتنا أن نرتقي بالتعليم الذي به نستطيع أن نتقدم ونكون به في مستوى الأمم التي نهضت بشعوبها إلى التقدم، وسبيلها في ذلك تعليم قوي جاد، وهو عنوان أي أمة ناهضة.. وحين أرجع إلى الوراء نحو ستة قرون أجد الأندلس في الذروة مما اضطر الأوربيين أن يلحقوا أبناءهم بمنابر التعليم في قرطبة، وحتى أعدائنا اليهود رغم كراهيتهم لنا اضطروا أن يتعلم أبناؤهم العربية لكي يتاح لهم أن ينهلوا من معارف المسلمين في الأندلس، وأوربا يومئذ كانت تغط في ظلام عميق! نحن ندرك هذا، ولمسؤولون عن التعليم العام يعون ذلك التاريخ المضيء الساطع، ومع ذلك هم صامتون، كأن الأمر لايعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كنا بلغنا تراجعاً مطبقاً فإن ما يكتبه الكتاب بقرع الأبواب يوقظ النوام، وإذا فرغ أو توقف الحديث عن التعليم العام، فإن إطارات العمل ينبغي ألا تقبل أي متقدم لأي وظيفة ذكراً أو أنثى إلا بعد اجتياز امتحان خاص في اللغة العربية، ليضطر كلا الجنسين أن يتقنوا لغتهم بجانب سعيهم الحثيث إلى إتقان اللغة الانجليزية التي تتيح لهم الوصول إلى الوظائف في القطاعين العام والخاص، وللموضوع عودة إن شاء الله!
****