تخيرت اليوم رسالة وردتني فاكسيا ممن جاء توقيعهم مذيلا بالتالي: من جيل (نتناول ما أعطي لنا) عبد العزيز، خالد، ثامر المرحلة الثانوية، وتتضمن رسالتهم الصيغة التالية: قرأنا مقالاتك بعنوان (شاركوهم)، جمعناها، واجتمعنا حولها وخرجنا ونحن مجموعة عددها 17 شابا ندرس في بداية المرحلة الثانوية، بأننا جيل يعتمد على الأخذ دون العطاء، ونحن نأخذ بلا تفكير، ونعتبر أن كل ما يعطى لنا هو حق لنا، في كل شيء حتى تعليمنا وترفيهنا وأكلنا وشربنا ومواصلاتنا، بينما نجدك كونت لدينا أسئلة كثير نجملها في التالي ونرجو إجابتنا بصدقك المعهود رغبة في أن نتعلم ونقتدي: بما أننا جيل نتناول ما أعطي لنا إذن فنحن نطالب بأن يعطى لنا، فكيف كان جيلكم؟
ويا عبد العزيز، وخالد، وثامر، أفرحني أن بلغتم مفرق السؤال، وهو أول سلمة الجواب، والأسئلة أبنائي هي محكات التعلم ومنافذ التنوير، فهي كما عرفنا نصف العلم، لأن السائل لو لم يدرك المسألة ما بحث عن إجابتها، وفي ذلك دليل لغاية المعرفة، ومن ينشد المعرفة لا شك سيبلغ الرافد.
أجيبكم عن جيلنا ومن سبق وبعض ممن لحق، نحن جيل لا نأكل حتى نطبخ بأيدينا، ولا نطبخ قبل أن نبتاع حاجتنا، ولا نبتاعها إلا من مال هو ثمرة جهدنا، ولا مال لنا إلا من كد عرقنا، ولا نرتوي إلا بسقيا أيدينا، فعندها نأخذ بقدر حاجتنا فلا نصدأ ولا نغص، ونحن جيل لا نلبس إلا ما يسترنا ويحدث بنعمة الله علينا في غير إسراف ولا تقليد، ما نلبسه نتخيره يناسب المقام والمقال، وحين نقول لا نتفوه بغير ما نعلم، ولا نرضى بغير ما يعلم غيرنا، وحين نكتب نفكر، ولا نلقي كلاما على عواهنه دون أن يحمل رسالة، نتفاوت في الإبلاغ بقدر عطاء الله فينا ولنا، صدورنا مواعين للحب، نشرك في مائها كل ذي سغب، وعقولنا موازين لا يعبر منها ذو خفة، تعلمنا أن قيمة المرء بقدر إيمانه، وصدق عطائه بقدر وعيه، ووعيه مقصلة ضعفه، لا نأخذ من أحد دون حق، ونعطي كل أحد بلا إيثار، تربت فينا أجنحة غذاها أهلونا من ماء عيونهم فما دللونا حد القتل، ولا حرمونا حد الموت، يا أبنائي، الحديث في هذا يطول وذو شجون.. أدعو كل الكتاب والمفكرين أن يدلوا بما عندهم، أن يغرسوا في دروبكم مشاعلهم، وأن يطرقوا لكم مجاهل جيلهم..
وحتى لقاء سيكون الباب مواربا فأدلفوا ما شئتم، وسأشرعه كيف تحتاجون.