كما في أزمة سوق الأسهم السعودية هناك في الأزمة الاقتصادية العالمية شيء محير، وهو إذا كان حجم الخسائر العالمية التي كشف عنها حتى الآن قد وصل إلى تريليونات الدولارات.. والسؤال: أين ذهبت هذه الأموال؟ وبما أن المعادلة الحسابية أو المحاسبية أو الاقتصادية - سمها ما تشاء - تقول إنه مقابل كل خاسر هناك رابح؛ وهذه الأموال في معظمها مدخرات مواطنين عاديين ليس في أمريكا بل في أنحاء العالم أجمع، وهم خارج أمريكا أكثر من داخلها بملايين المرات, ومعظمها إن لم تكن جميعها أموال صناديق لمدخرات المواطنين ومعاشات ورساميل شركات وغيرها من الأوعية الاقتصادية التي كانت تعمل ضمن منظومة الاقتصاد التي اعتادت المؤسسات الاقتصادية العالمية والشركات الكبرى والصغرى والأفراد الانخراط ضمن ضوابطها التي وضعها المهيمنون على الاقتصاد العالمي ضمن دائرة ضيقة من سلاطين المال الذين تقبع عقولهم في نيويورك وتخزن أموالهم في سويسرا.
ولقد كشفت التحقيقات التي أعقبت تفجر الأزمة أن أساطين الشر كانوا يشكلون لوبي متموضعاً في أمريكا، وفي نيويورك بالتحديد، وهذا اللوبي (شفط) أموال العالم إليه بسبب الارتباط العضوي بين البنوك العالمية والمراكز الرئيسية في نيويورك، التي يديرها مجموعة من المديرين الفاسدين أو لنقل الذين لا يستهدفون إلا مصالحهم.. هؤلاء لا ينكر أحد تفوقهم وتميزهم في مجال عملهم، وعبقريتهم التي وظفوها لمصلحتهم على حساب مصالح الملايين؛ وهو ما أتاح لهم نسج هذه الأزمة الكبرى التي لم يتضرروا منها؛ فقد علمنا من التحقيقات أن مديري المحافظ المالية الكبرى والمديرين التنفيذيين للبنوك التي بعضها أشهر أفلاسها، كانوا يتقاضون رواتب ومكافآت وصل بعضها إلى مئات الملايين من الدولارات، ومع هذا خسرت وأفلست بنوكهم، في حين احتفظوا بما كانوا يتقاضونه من رواتب ومكافآت ضخمة.
والأزمة المالية الكبرى هذه لم تكن وليدة السنين القليلة الماضية، بل كانت تنخر في الاقتصاد العالمي منذ سنين، والأمريكيون المتنفذون وخاصة الذين يديرون المؤسسات المالية الرسمية يعرفون ذلك، وكانوا يكتفون بطبع ملايين الدولارات التي أصبحت من كثرة ما طبع منها بلا قيمة، وهذا يفسر الانخفاض المريع في قيمة الدولار، إلا أنه وفي ظل القمع الذي مورس في عهد الإدارة الأمريكية السابقة لم يتجرأ أحد في أمريكا وخارجها على أن يفتح فمه بكلمة عن الحركة المالية لهذه الأموال بالرغم من أن كل شيء معروف في عالم المال والاقتصاد خاصة على المستوى العالمي وإلا اتُّهم بالإرهاب. وهكذا ضاعت الأموال التي تبخرت أو خسرت، والتي لا بد أن يتكشف المستور عنها يوماً ما. وهو أن هناك جهة ربحتها، وهنا نعود إلى السؤال من جديد: (أين ذهبت تلك الأموال؟!!).
وهذه الأموال ليست قليلة يمكن إخفاء مسارها.. والأماكن التي استقرت فيه.. والفئران السمان التي شبعت منها لا يمكن أن تخفي بدانتها.. مثلما اختفت بدانة القطط السمان في سوق الأسهم السعودية؟!!
jaser@al-jazirah.com.sa