كنا نظن، ونحسب ونتوقع أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية، الذي يقام كل عام، هو حاضن أول للتراث، وملهم جميل للحاضر أن يتأمل الماضي، كما كنا نزعم أنه نافذة رائعة للفلكلور والأهازيج لكي تصدح في كل بيت من بيوته المترامية على أرض العروض، من أجل التعريف بتراث كل منطقة من مناطق الوطن، وظللنا نمني الذات أن نشاهد معاً اكتمال مشاهد التراث العابقة بالأصالة، لكن ظنوننا لم تبارح مكانها، فلم نر ما يبعث على الفأل في الحضور إلى الجنادرية.
فالذي كتب له أن يصطحب عائلته في الأيام التي خصصت للعائلات سيجد أنه شرب المقلب كاملاً غير منقوص؛ فلم يعد في الجنادرية سوى المباني شبه الخالية من مضامينها وأدواتها، ولم يكن للمنظمين والمرشدين أي أثر، وكأن هناك من قال: ارحلوا واخذلوا من ظل يطالب بأمر أن تكون الجنادرية للعائلات، فمن ظل باقيا في الجنادرية إما طامع في كسب مادي لما يصنعه ويعده وكأنه في سوق تجاري، وهذا أمر ارتزاق مشروع لا غبار عليه، أو من هو قلق على مصير متعلقاته التي لم يتمكن من المغادرة بها قبل هذه الأيام الثلاثة.
رواد الجنادرية بأيام العائلات الثلاثة أصابتهم الدهشة حينما لمسوا غياب أهم مشهد من مشاهد المهرجان الوطني للتراث والثقافة والمتمثل في الفلكلور والرقصات والغناء!! فكيف يغيب الفلكلور وهو أهم ركيزة من ركائز تكوين التراث والثقافة التي تقوم عليه فعاليات مهرجان الجنادرية، والقرية التراثية؟!
حتى المنظمون لم يكن لهم أثر أيضا؛ فغيابهم وكأنهم - فيما يبدو - قد تلقوا الإيحاء بأن أمر المهرجان قد انتهى، ولم يعد هناك ضرورة لأن ينتظروا ما يسمى (العائلات) وأيامهم الثلاثة التي يعتقدون أنها ستكون مليئة بالضجيج والصداع.
سألنا قبل أيام مدير المركز الإعلامي بالجنادرية الأستاذ صالح الصقعبي عن أحوال المهرجان، فأشار إلى أن أيام الجنادرية قد انتهت، فكيف تنتهي أبا ياسر ولم تأت بعد الأيام الثلاثة المخصصة للعائلات؟.. فكأنهم أعدوا النهاية على هذا النحو حينما غابت معالم الجنادرية، ولم يبق إلا الرتوش والمنشآت.. ولماذا يوصد المركز الإعلامي أبوابه في أهم ثلاثة أيام تمثل ذروة العمل والترتيب لإنجاح هذه المناسبة؟!
حتى (جنادرية النساء) واحتفالياتها المخملية المغلقة انتهت بسرعة مذهلة وكأنه أمر قضي بليل، كما أنه لم يكن للمضيف والراعي أي وجود إلا فيما يخص ترتيبات الدخول والخروج، والتبعية الكاملة لمن يهجسون على الدوام بفداحة أمر من هم على وشك الاختلاط، أو الخلوة، أو الاجتماع الذي يظنون فيه أنه قد يكون غير مباح.
المعتقدون بخطورة أن تكون هناك أيام للعائلات في الجنادرية زاد سعارهم، والمولولون بعظائم الأمور اتسعت حدقاتهم على أي أمر قد يظن فيه الاختلاط أو الخلوة، أو ما إلى تلك الحدسيات التي تفترض الخطأ وتتوقعه، وتنشد الوصاية، لتنصرم الأيام المخصصة العائلات وكأنها كابوس يأمل البعض التخلص منه في أسرع وقت ممكن.
Hrbda2000@hotmail.com