Al Jazirah NewsPaper Monday  23/03/2009 G Issue 13325
الأثنين 26 ربيع الأول 1430   العدد  13325

الجائزة وإنجازات رائدة
د.عبدالله الصالح العثيمين

 

في مساء يوم الأحد القادم - بمشيئة الله- تتجدَّد سعادة المسؤولين في مؤسسة الملك فيصل الخيرية بعامة، وجائزة الملك فيصل بخاصة- وعلى رأسهم رئيس هيئتها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل- بالاحتفال....

..... بتسليمها للفائزين بها، هذا العام في فروعها الخمسة، خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب، والطب، والعلوم. ويتشرف الجميع برعاية خادم الحرمين الشريفين لذلك الاحتفال، كما يسعدون بتلبية دعوة من دعوا إليه ومشاركتهم بهجته وفرحه.

ومن المعلوم أن جائزة الملك فيصل العالمية ثمرة من ثمار مؤسسة الملك فيصل الخيرية الرائدة في أسلوب عملها وطريقته؛ وهي المؤسسة التي أنشأها -بتوفيق من الله- أبناء الملك فيصل -رحمه الله- وبناته، وسارت منذ انطلاقتها من - عام 1396هـ-1976م- سيراً رشيداً حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تقدم وتحقيق للأهداف المرجوة. ولقد عبَّر سمو الأمير خالد عن هذه الأهداف الموحية بإنشاء المؤسسة بقوله: (إن عظمة الأمم لا تقاس بما تملكه من وسائل الحضارة المادية، وإنما تقاس بمواقفها الإنسانية من أعمال الخير والبر... وإن مجد الأفراد تصنعه أعمالهم العظيمة الهادفة إلى خدمة عقيدتهم وخير أمتهم وبلادهم والإنسانية كلها). وانطلاقاً من هذا المفهوم، الذي يشاركه فيه إخوته الكرام وأخواته الفاضلات، وتخليداً لاسم والدهم الملك فيصل -رحمه الله- أقيمت تلك المؤسسة الخيرية ذات المنظور العالمي الهادفة إلى الإسهام في نفع البشرية ورقيِّها، وتقدير روَّاد العمل الخيري والباحثين في المجالات المعرفية المختلفة النافعة.

وكنت قد أشرت إلى ما سبق عند إتمام بناء الفيصلية، الذي تزامن مع الاحتفال بمنح الجائزة عام 1420هـ في قصيدة من أبياتها:

أرنو إلى الحفل البهيج وكيف لي

عن نشوة العرسين أن أتكلَّما؟

عرس يقدَّم في نسائم ظلِّه

من قدَّم الإنسان فيما قدَّما

أو لم يكن قَدْراً ورفع مكانة

في محكم القول المنزَّل كُرِّما؟

والعرس إذ بلغ البناء تمامه

وغدا جبين الفيصلية معلما

يبني- ويشكر من مفضَّل- فتية

ويزيد رب الكون فيما أنعما

أحفاد من أبلى ووحد وابتنى

مجداً صداه يرنُّ في كبد السما

عبدالعزيز من استظلَّ بحزمه

آتٍ هفا نحو العتيق وأحرما

وبنو الذي حذق السياسة حنكة

وبفنِّها كان الخبير الملهما

لم تثنه الأحداث عن تصميمه

يوماً ولم يألف عسى أو ربما

وإذا الأصول زكت رأيت فروعها

مزدانة بالخير زاكية النَّما

ولقد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية- من بداية منحها قبل ثلاثين عاماً حتى الآن- مئتان وفائز واحد من أربعين دولة، بما في ذلك خمس جهات، أو هيئات، علمية أو خيرية، لا سيما في فرع خدمة الإسلام من الجائزة. وللمرأة دور واضح فيها؛ محكَّمة ومشاركة في لجان الاختيار، التي لها الكلمة الأخيرة في منح الجائزة أو حجبها، وفائزة. فقد فازت بها - خلال مسيرتها الموفَّقة- ثماني نساء: أربع في الأدب العربي هن: عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)، ووداد القاضي، وسلمى الحفار، ومكارم الغمري، وثلاث في الطب هن: جانيت راولي، وفرانسوا سنوسي، وسينثيا كينون، وواحدة في الدراسات الإسلامية هي كارول هيلنبراند.

وقد يقول قائل: إن عدد الفائزات بجائزة الملك فيصل العالمية قليل مقارنة بعدد الفائزين بها. لكن لو تأمل هذا القائل ما هو جار في العالم كله، وفي مقدمته العالم الغربي، الذي واكب تعليم الفتاة فيه تعليم الفتى بصفة عامة، لوجد أن لا غرابة في ذلك، فما زالت نسبة تمثيل المرأة الغربية في الحياة السياسية بعيدة كل البعد عن نسبة تمثيل الرجل في تلك الحياة. ونظرة إلى البرلمانات في أوروبا وأمريكا تؤكد ذلك. وما يرى في الحياة السياسية يمكن أن يرى ما بقاربه في المجال العلمي سواء في التدريس الجامعي أو في العمل في مراكز البحوث. ولقلَّة العاملات في هذا المجال لم يكن غريباً أن يرى عدد الفائزات بجوائز علمية عالمية قليلاً جداً مقارنة بعدد الفائزين بتلك الجوائز من الرجال. وجائزة الملك فيصل العالمية واحدة من هذه الجوائز.

والواقع أن لكل فائز، أو فائزة بالجائزة ريادة متميزة في إنجاز الكثير مما ينفع الناس ويثري المعرفة الإنسانية العامة، ويعمِّق المعرفة المتخصصة الدقيقة. وكل رائد من هؤلاء الرواد جدير بأن يُتحدَّث عن ريادته وإنجازاته، كما أن كل رائدة من تلك الرائدات يحسن الكلام عن ريادتها وإنجازاتها.

ومع جدارة الحديث عن أولئك واستحسان الكلام عن هؤلاء فإن حيز المقالة لا يكفي للإشارة - مجرَّد الإشارة - عن كل واحد أو واحدة، ناهيك عما يزيد على ذلك. على أن مما يحمد الله عليه أن لجان الاختيار في الجائزة كثيراً ما حالفها التوفيق لتصبح رائدة هي الأخرى في اختيار الرواد. ولعلَّ مما يدل على هذا أن خمسة عشر ممن فازوا بها نالوا بعد ذلك جائزة نوبل - مثلاً- في العلوم أو الطب! إضافة إلى جوائز كبيرة أخرى لا تقل مكانة عن جائزة نوبل.

وقد يكون من المناسب في هذه الحلقة من المقالة الاقتصار على اثنتين من الفائزات بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب. وهاتان الفائزتان هما: البروفيسورة جانيت راولي، الأمريكية الجنسية، والبروفيسورة فرانسوا سنوسي، العربية الأصل الفرنسية الجنسية.

كنت البروفيسورة راولي أولى الفائزات بجائزة الملك فيصل العالمية في الطب، وذلك عام 1408هـ - 1988م وتاريخ هذه العالمة مثير للإعجاب. فقد تفوقت في الدراسة إلى حد أن جامعة ميتشجن قبلتها للدراسة فيها مجاناً وعمرها لم يتجاوز الخامسة عشرة، وحصلت على البكالوريوس في الفلسفة وهي في التاسعة عشرة من العمر، ثم على البكالوريوس في العلوم بعد عامين.

وبعد عامين آخرين نالت الدكتوراه في الطب وتمكَّنت ببراعة أن توفِّق بين عملها طبيبة وباحثة وأستاذة جامعية وعملها أماً لأربعة أطفال.

بل إنها حقَّقت أعظم اكتشافاتها العلمية وهي تعمل في منزلها، ولم تتفرَّغ تماماً للبحث العلمي إلا بعد أن بلغ أصغر أولادها الثانية عشرة من عمره.

وكانت أول من اكتشف - في العقد السابع من القرن الماضي- علاقة الكروموسومات بسرطان الدم والأورام غير الحميدة الأخرى. ثم أجرت سلسلة بحوث لاكتشاف المورثات المسؤولة عن سرطان الدم، وبيَّنت أسسه الوراثية والجزيئية. وبذلك أسست علماً جديداً في وراثة الأمراض غير الحميدة وتشخيصها، وبالتالي علاجها. وقد نالت - بعد حصولها على جائزة الملك فيصل العالمية - العديد من الجوائز الرفيعة، مثل جائزة لاسكار، التي يسمِّيها البعض نوبل الأمريكية، في الطب، كما نالت الميدالية الوطنية للعلوم، وهي أرفع جائزة علمية في أمريكا إضافة إلى عدد من الأوسمة ودرجات الدكتوراه الفخرية.

أما البروفيسورة فرانسوا سنوسي فقد حصلت على جائزة الملك فيصل في الطب عام 1991م. وكان موضوع الجائزة، ذلك العام، مرض نقص المناعة المكتسبة (الأيدز). وقد قامت بدور رئيس في اكتشاف الفيروس المسبب لذلك المرض مما أكسبها شهرة عالمية. ونالت - إلى جانب تلك الجائزة - أكثر من عشر جوائز قومية وعالمية. وفي عام 2006م كرِّمت بوضع اسمها في قائمة المشهورات في المتحف العالمي لرائدات العلوم والتقنية في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي العام الماضي، أي عام 2008م، منحت جائزة نوبل في الطب للإنجاز نفسه، الذي سبق أن أنجزته، وحصلت به على جائزة الملك فيصل العالمية.

وللحديث بقية إن شاء الله.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد