كانت إيران قبل بزوغ شمس الإسلام تتبع معتقداً وثنياً، فأكرمها الله بالدين الحنيف والمعتقد السليم عندما قام الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص بفتح بلاد فارس في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومنذ ذلك الوقت وإيران تعتبر جزءاً من العالم الإسلامي وكان المذهب السني هو السائد في إيران
إلى أن حصلت مشكلة مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه والاختلاف الذي حصل بين الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه والصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حول الأحق منهما بالخلافة حيث وقف شعب إيران مع علي بحكم قرب مقر خلافته من إيران عندما جعل مقر الخلافة في العراق ولأن احدى زوجات علي كرم الله وجهه كانت من الفرس وهو الاسم الذي يطلق على شعب إيران قبل دخوله للإسلام حيث أصبحت من ذلك الوقت من المناصرين لعلي ومن شيعته الذين وقفوا معه ضد خصومه من الأمويين ونحوهم.
وقد ساهمت إيران بما لا يستطيع احد إنكاره في الحضارة الإسلامية بحكم ما كانت تتمتع به الحضارة الفارسية القديمة من معرفة وعلم حيث كانت هذه الحضارة إلى جانب حضارة الدولة الرومانية هما السائدتان قبل ظهور الإسلام في العالم فمن منا لا يعرف العلماء الاجلاء أبو حنيفة النعمان والبخاري ومسلم والترمذي، وعالم اللغة الكبير سيبويه، والشاعر بشار بن برد والأديب عبدالله بن المقفع الذي ترجم كتاب الأدب الفارسي المشهور (كليلة ودمنة) للغة العربية فهؤلاء العلماء كلهم من إيران التي كانت تعرف كما سبق أن أشرنا إليه ببلاد فارس وقد استمرت إيران جزءاً من الدولة الإسلامية الموحدة إلى أن حصلت انتكاسة المسلمين وتراجعهم في مجال العلم والحضارة وتقسيم الدولة الإسلامية من قبل المستعمرين حيث رجعت إيران إلى قوميتها ولغتها الخاصة بها مع استمرارها على دين الإسلام.
وقد كان للملك فيصل رحمه الله في العصر الحاضر دوراً في التقريب بين إيران والعالم العربي عندما أطلق دعوته للتضامن الإسلامي وقام على اثر ذلك بزيارة إيران سنة 1966م بالاضافة إلى زياراته لأغلب الدول الإسلامية مثل تركيا وباكستان واندونيسيا وماليزيا وغينيا ومالي والنيجر ونيجيرا حيث نتج عن هذه الزيارات قيام منظمة المؤتمر الإسلامي على أثر مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في المغرب سنة 1969م وحضره الملك فيصل وشاه إيران بالإضافة لبقية زعماء الدول الإسلامية.
وقد بدأ توتر العلاقات العربية الإيرانية بعد قيام إيران سنة 1971م باحتلال الجزر التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة وهي جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وازداد هذا التوتر بعد اصرار إيران بعد قيام الثورة الإسلامية سنة 1979م على الاستمرار في احتلال هذه الجزر ورفضها للتحكيم الدولي الذي تطالب به دولة الإمارات حول مشكلة احتلال تلك الجزر، وكذلك قيام إيران بتبني مبدأ تصدير الثورة للدول المجاورة وهو الأمر الذي أدى إلى قيام الحرب بين إيران والعراق والتي استمرت ثمان سنوات خسر فيها الطرفان الكثير من الأرواح والعتاد بالاضافة إلى قيام إيران بالدخول في قضايا هي من صميم العالم العربي كالخلاف العربي الإسرائيلي والخلاف الفلسطيني الفلسطيني والوضع اللبناني.
وفي الوقت الذي كان العرب عموماً ودول الخليج على وجه الخصوص يأملون من إيران التجاوب مع مطلب دولة الإمارات في رفع قضية الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها بما يتمشى مع قواعد القانون الدولي قامت إيران عن طريق بعض المسؤولين فيها بايجاد سبب جديد للتوتر بينها وبين العرب في التصريحات التي أطلقوها حول مملكة البحرين بأنها كانت جزءاً من إيران مع أن العرب ودول الخليج بالذات وقفوا مع إيران في أزمتها مع الإدارة الأمريكية السابقة حول المفاعل النووي وحالوا دون الهجوم على إيران حيث كانت ادارة الرئيس السابق بوش ترغب في ذلك لو أن دول الخليج سهلت له المهمة.
فهل إصرار إيران على احتلال جزر دولة الإمارات وادعاءاتها حول البحرين دليل على وجود مطامع لها في دول الخليج العربية وهل طموح إيران في إنتاج السلاح النووي هو من أجل تحقيق هذا الهدف، وإصرارها على تسمية الخليج بالخليج الفارسي رغم وجود سبع دول عربية تطل عليه.
ان المرجو ألا يكون ذلك صحيحاً فمنطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بالذات ليستا في حاجة إلى مزيد من التوتر، ولعل رسائل التطمين التي صدرت من بعض المسؤولين الإيرانيين ورسالة الرئيس الإيراني لملك البحرين حول احترام سيادة البحرين وعدم وجود مطامع إيرانية فيها وزيارة وزير خارجية البحرين لإيران مما يسهم في إزالة سبب التوتر الجديد ويعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي، كما لعل الاعتراضات العربية والدولية على ما صدر من بعض المسؤولين الإيرانيين حول البحرين يؤدي إلى تفكير إيران جديا في حل مشكلتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة وفق قواعد القانون الدولي فإذا كانت إيران بالفعل تعتقد بأن الجزر الثلاث جزءاً منها فما الذي تخشاه من الذهاب للتحكيم الدولي.
asunaidi@mcs.gov.sa