Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/03/2009 G Issue 13324
الأحد 25 ربيع الأول 1430   العدد  13324
الروَيْس والمسبار.. والحماس للحقيقة!

 

إن تتبع أخطاء المؤلفين وهفواتهم أهون من تأليف الكتب، لكن تتبعها بالنقد القويم والبحث الموضوعي، وإحسان الظن بالآخر هو ما نحتاجه، ولا أرى إلاّ أن أخي قاسم الرويس كان قريباً من ذلك، ومحقاً في ملحوظاته واستدراكاته التي نشرها في كتابه الجديد الذي أسماه: (المسبار.. نظرات في بعض كتب التاريخ والقبائل والأدب الشعبي). وهو كتاب أنيق سبكاً وإخراجاً، يقع في حوالي 200 صفحة تتبع فيها ما جاء في عدد من المؤلفات المعاصرة، مصححاً ومستدركاً.

والأستاذ قاسم الرويس من الباحثين القلائل الذين يجمعون بين زرقة الحبر وبياض السريرة، فهو باحث يجمع بين دقة الملاحظة وموضوعية الطرح إلى حد كبير، لقد عرفت فيه هذه الصفة منذ الوهلة الأولى التي التقيته فيها، ولذا كنت أحضه دائماً على استثمار موهبته ومعلوماته والقيام ببحث يوثق ما يمكن توثيقه من تاريخ قومه ومنطقته، عله يسد شيئاً من النقص الذي يعاني منه الباحثون في ذلك الموضوع.

وقد تناول الباحث الرويس في مسباره ما يقارب خمسة عشر موضوعاً ما بين كتاب وبحث ومقالة، ابتدأها بكتاب (من أحاديث السمر) لابن خميس، ثم (أخبار القبائل) لكاتب هذه السطور، ثم (عتيبة والنزول إلى نجد) لزميلنا محمد أبو حمراء، وغير ذلك.

والوقفات الواردة في الكتاب ليست كلها نقداً واستدراكاً، بل إن بعضها مجرد عرض لبعض الإصدارات، كما هو الحال - على سبيل المثال- مع وقفته مع (فاسيليف وتاريخ العربية السعودية).

لكنني أود أن أذكر القارئ الكريم أنه ما من كتاب بعد كتاب الله عز وجل إلاّ ويمكن الاستدراك عليه، مصداقاً لقول الحق: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} .

كما أود أن يدرك كل من يخوض غمار النقد أن البشر ناقصون وأعمالهم ناقصة، ومؤلفاتهم ليست منزهة عن الخطأ والنقص. وهنا أتذكر مقولة للراوي والمفكر العنيزي الشهير الأستاذ عبدالرحمن البطحي -رحمه الله-، فقد نبهني مرة إلى أن الباحث يكون متحمساً في أول حياته لتتبع الأخطاء في الروايات والمؤلفات، ويصر على تصحيحها، ويسعى جاهداً لإفهام الآخرين بالحقيقة، ويطالبهم بإلحاح بتصحيح معلوماتهم، لكن حماسه يخف بعد ذلك فيكتفي بالبحث من أجل معرفة الخطأ والتمييز بينه وبين الصواب، ويود أن يعرف الآخرون ذلك؛ لكنه لا يلح عليهم بالأخذ بما يرى أنه الصحيح. ثم يتقدم به العمر والتجربة فيصبح أكثر واقعية؛ ويكتفي بمعرفة الحقيقة لنفسه، ولا يجهد نفسه في إيضاحها للآخرين، ثم تمضي به التجربة والخبرة أكثر فأكثر فيصل إلى مرحلة يدرك معها أن الأخطاء جزء من حياة البشر، وأن الحياة أرادها الله هكذا، حتى يصل إلى مرحلة لا يعنيه فيها أن يعرف أي الروايات أصح!.

وبناءً على طبيعة العمل البشري الذي يأبى الله إلاّ أن يكون ناقصاً، وبناء على مقولة الأستاذ البطحي؛ فإن على كل باحث أن يدرك هذه الحقيقة، وأن يضعها نصب عينيه عندما يهم بنقد كتاب أو رأي، فيلتمس العذر للطرف الآخر، ويضع في حسبانه أنه لا أحد معصوم من السهو والخطأ، وأنه لو كان هو المؤلف فلن يكون سالماً من الأخطاء والهفوات، وسيكون عرضة لسهام الناقدين، وإزعاجات الحاقدين.

ولا يفوتني هنا أن أوضح بأنه شتان بين ناقد صادق، دافعه الحرص على تصحيح المعلومات وإيضاح الحقيقة، وتنبيه المؤلف إلى ما فاته من مصادر أو معلومات، وبين ناقد أو باحث عن الشهرة، يسيئ الظن بالمؤلف، ويتصيد الهفوات، ويضخم الاستدراكات، من أجل النيل منه واستعداء الآخرين عليه!!.

ولا يسعني في الختام إلاّ أن أشيد بالباحث قاسم الرويس، وأشكره على تنبيهاته واستدراكاته المهمة، ومتابعته التي تميزت بالدقة والصرامة والحماس الشديد لرفض الأخطاء، والدفاع عن الحقيقة دون مجاملة أو مداهنة، ودون تحامل شخصي.

فائز بن موسى البدراني الحربي



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد