المتتبع للتحليلات والكثير من المقالات التي تُنشر في الصحف العربية وتتناول الوضع السياسي في المنطقة وفي الخليج العربي تحديداً، يجد أنها تتسم بالتعميم والشمولية والأحكام التي تختل فيها عملية الفرز والتبويب الموضوعي.
فعلى سبيل المثال عندما نتحدث عن الدور الإيراني في الخليج والمنطقة، فإننا نتناوله وكأنه حقيبة واحدة متكاملة، يحتوي بداخله الشعب الإيراني الذي يمثله إخواننا في الإنسانية وجيراننا عبر التاريخ (الفرس)، أيضا نضيف إلى هذا إخواننا في الدين وقبلة الصلاة من أصحاب المذهب الشيعي، فبالتالي يتحول الصراع إلى صراع شعوبي مذهبي، يأخذ الكل بجريرة البعض ويصعد من أوار الخطاب الطائفي المتشنج وهو أمر لا تريده المنطقة، (مع وجود الاحتلال الأجنبي فوق أراضيها)، بل إن هذا الخطاب المنطلق من تمايزات مذهبية وعرقية لا بد أن يولد له خطاباً مضاداً متقاطعاً ليتصدى له، وعلى شبكة (الإنترنت) سنتعجب من كثرة المواقع المحتشدة بالبغض والكراهية والتنابز الطائفي التي تحقق أجندات لا تخدم المنطقة أو استقرارها.
لا بد في هذه المرحلة الخطرة والحساسة أن يكون هناك عملية فرز حذرة ودقيقة بين الأجندة السياسية للحرس الثوري الجمهوري في طهران، وبين إخواننا الفرس من أصحاب المذهب الشيعي ولا سيما أن الآخرين لهم امتدادات وتفرعات وتواجد تاريخي في المنطقة.
الخطاب السياسي الذي يحاول أن يستعيد أدبيات الصراع الصفوي والعثماني القديمة هو بالتأكيد يشعل ناراً في المنطقة قد يصبح من الصعب إطفاؤها لاحقاً.
نظام الملالي في إيران يستمد الكثير من ملامح مشروعيته من خلال سعيه إلى تصدير الثورة إلى المناطق المجاورة، ومن هنا فهو يوظف التمايزات العرقية والمذهبية بكثافة لتسويق خطابه السياسي، كلما تصعَّدت الضغوطات العالمية ضد برنامجه النووي.
والرئيس الأمريكي الذي كان النظام في طهران يعوّل على اعتداله ورغبته في التغيير خيَّب توقعاته ومدد العقوبات الاقتصادية ضد إيران لعام آخر، وبالتالي أصبح نظام الحرس الجمهوري في ظل هذا الحصار يضغط على مستويات أخرى، لحفظ أمنه ومشروعيته، ولم يعد سراً استخباراتياً غامضاً دور طهران الخفي في الانفجار الذي حدث في خان الخليلي في مصر، وأحداث البقيع، والمظاهرات التي طوَّقت السفارة السعودية في لندن، ولا سيما أن الحرس الجمهوري ما زال نشطاً في استقطاب الطاقات الشابة من مصر، إضافة إلى (1000) بعثة سنوية تقدمها طهران إلى الشباب في الجزائر على سبيل المثال.
يد الحرس الثوري الطولى تحاول أن تلعب على التوازنات في المنطقة، موظفة الأبعاد العرقية والمذهبية لتمرير المصالح السياسية، الباقي الآن أن يتم حصار وتأطير الصراع ضد الحرس الجمهوري في طهران فقط.
لا بد من التحرز من عملية إيقاظ واستدعاء ركام الصراع الطائفي والمذهبي عبر ركام التاريخ، لأن ذلك يعني ببساطة... الوقوع والانزلاق في الفخ الطائفي العرقي الذي ينصبه النظام الإيراني لمستقبل المنطقة وطموحاتها ومقدرتها التنموية.