Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/03/2009 G Issue 13324
الأحد 25 ربيع الأول 1430   العدد  13324
عام الرمادة كان درساً في الأمن الغذائي
د. أنور بن ماجد عشقي

 

يعيش العالم أزمة مالية سوف تلقي بظلالها على الغذاء، مما يتطلب وضع خطة إستراتيجية للاستثمار الزراعي، فإذا كانت المملكة العربية السعودية قد استعدت منذ عامين للأزمة المالية فحافظت علىالسيولة النقدية، واتخذت الإجراءات المناسبة حتى تتمكن من الصمود أمام هذه العاصفة، فإن عليها أن تضع الإستراتيجيات اللازمة لمواجهة الأزمة القادمة في الغذاء.

واليوم نجد لدى الاستراتيجيين مصطلحاً اقتصادياً أصبح مطروحاً للتداول، وهو المال البطيء، وهذا المصطلح يطرح في مواجهة مصطلح آخر هو استثمار المال السريع، لأن هذا الاستثمار يأتي بالربح السريع، لكنه غالباً ما يصعب استثماره لفترة أطول.

ومصطلح المال البطيء ينطبق على شركات المراحل الأولى في بعض الصناعات التقنية والتكنولوجيا الحيوية، وتطوير الطعام، وهي التي في حاجة إلى فقرات أطول لتأتي بعائدات تنافسية، ويمكن النظر إلى هذا النوع من الاستثمار باعتباره تنمية مستدامة، ويحلو للبعض أن يطلق عليه علم الاقتصاد الحافي، وهو اقتصاد يراعي البيئة، وهو الاستثمار الراعي للمسؤولية الاجتماعية للشركات لأنه مرتبط برسالة معينة.

والاستثمار البطيء يحدث تغييرات جذرية، تمس الحدود بين المنظمات الهادفة للربح، وتلك التي لا تنظر إليه، فهو الاستثمار الذي يربط بين المؤسسات الخاصة، والمنفعة العامة، فيركز على الاستثمار في الزراعة، فيعيد خصوبة التربية إلى حسابات الاستثمار.

وهذا النوع من الاستثمار يختلف عن الاستثمار الذي تعود عليه الإنسان في القرن الماضي؛ حيث كان يسعى إلى استخراج الموارد واستهلاكها، لكن هذا الاستثمار يسعى إلى الإبقاء على الموارد والحفاظ عليها، لهذا كان الاقتصاد البطيء يركز على أهمية الاقتصاد الزراعي، وهو الاقتصاد الذي قامت عليه النظم الاقتصادية في الماضي والحاضر، وليس المنتجات التقنية والصناعية التي غيرت ثقافة البشر.

ففي يونيو من عام 2008م الماضي عقد في روما مؤتمر رفيع المستوى حول الأمن الغذائي العالمي، فتبين أن الحل البنيوي لمشكلة الأمن الغذائي العالمي يكمن في زيادة الإنتاجية في بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض، وهو يتطلب حلولاً جديدة إضافة إلى المعونات التنموية الرسمية.

وهذا يذكرنا بعام الرمادة الذي خيم على الجزيرة العربية عندما أمحلت في نجد والحجاز، فانتشر الجفاف، واشتدت الفاقة، وهرعت القبائل إلى المدينة عاصمة الخلافة تبحث عن الغذاء للإنسان، والعلف الحيواني، فما كان من عمر بن الخطاب الخليفة الراشد، إلا أن بعث إلى الولاة ليخفف من هذه الأزمة، فقال لهم الغوث الغوث، فجاءته المبرة من الشام والعراق وفلسطين ومصر.

بعدها وضع خطته في تحقيق الأمن الغذائي حتى لا تتكرر الأزمة، فبعث إلى الولاة وخاصة عمرو بن العاص والي مصر، قائلاً لهم لقد كان لدينا الذهب ولديكم المبرة، فلم نتمكن من إيصال المال إليكم، ولم تتمكنوا من إرسال الغذاء إلينا، ولأن الماء شحيح لدينا، ومتوفر لديكم، فلماذا لا نوظف المال في الإنتاج الزراعي والحيواني ونسيره إلينا.

فوضع عمر بن الخطاب خطة إستراتيجية تقوم على الاستثمار في الأراضي الزراعية بمصر والعراق والشام بعد أن استدعى الخبراء من هذه الولايات، وتشاور معهم، فتقرر أن تستثمر الأموال، وتهيأ طرق المواصلات، وبناءً عليه سارت فرق القوافل، وتوافرت الخدمات، أما مع مصر فقد شقت قناة بين النيل، وبين البحر الأحمر عرفت بقناة عمرو بن العاص، وتأسس ميناء في مصر لنقل المبرة، وميناء الحجاز بجوار ينبع اليوم فيما يعرف بالرايس لاستقبال الإنتاج الزراعي من مصر.

واليوم تخطو المملكة العربية السعودية خطوة رائدة نحو الأمن الغذائي، فقد أصدر مجلس الوزراء قراراً بالموافقة على تأسيس صندوق للتنمية الزراعية، برأسمال قدره عشرون ملياراً، ليحل محل البنك الزراعي، وتخزين الغذاء لأعوام قادمة.

ثم أطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي في الخارج، التي تهدف إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي، وبناء شركات تكاملية مع عدد من الدول في أنحاء العالم من ذوات المقومات والإمكانات الزراعية للمحاصيل الإستراتيجية بكميات كافية وأسعار ثابتة مع توفير الضمانات المستدامة.

كما وافق مجلس الوزراء على إنشاء شركة قابضة للاستثمار الزراعي في الخارج، في شراكة بين القطاع الأهلي والحكومي، وكلفت بذلك كل من وزارة المالية، والزراعة، والتجارة والصناعة بإعداد الدراسات المطلوبة لإنشاء شركة سعودية قابضة تجمع بين القطاعين الأهلي والحكومي، لتتولى التشغيل والتطوير والاستثمار الزراعي والحيواني في الدول الأخرى.

ولجدية التنفيذ حدد المجلس ثلاثة أشهر من تاريخ صدور القرار لإعداد الدراسات ورفعها إلى مجلس الوزراء، لاستكمال الإجراءات النظامية المطلوبة.

بعدها، صدر من صندوق الاستثمار العام مشروع نظام الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني الذي يعد جزءاً من المبادرة الملكية، هذا المشروع حدد أغراض الشركة، ويؤكد على تحقيق الأمن الغذائي للمملكة من خلال توفير أكبر قدر من الاحتياجات الغذائية، والزراعية، والمنتجات الحيوانية، بحيث يساعد على استقرار الأسعار داخل المملكة.

كما يؤكد إلى إبرام الاتفاقات مع الدول المضيفة، ذات التميز النسبي، لتخصيص الأراضي والحقول بكافة الصور المتاحة من تملك وانتفاع وتأجير، وقد أتاح النظام الغرض لتأسيس الشركات التابعة، سواء كان ذلك بمفردها أو بالمساهمة أو الاشتراك مع شركات أو هيئات ذات نشاط يدخل ضمن الأغراض التي حددها النظام.

إن الأمراض المرتبطة بالغذاء من حيث الجوع أو البدانة، أو حتى المواد الحشرية المبيدة التي تحتوي على البستي سايد تلك المادة التي تتركز في جسم الإنسان، فتؤدي إلى الفشل الكلوي والفشل البنكرياسي والكبدي، وتتطلب الانفاق الكبير على الصحة.

فالأمن الغذائي يحقق حماية المواطن، وعقله، وماله، والاستثمار الغذائي في الخارج، من شأنه أن يحقق الضمان الكافي للغذاء الخالي من المواد المضرة مما ينعكس على المواطن في الداخل، ويمنحه الاطمئنان على المستوى البعيد.



Email-eshki@doctor.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد